فان ابقراط قال مرة 〈فى كتاب.....〉 «فاما الحمى التى يقال لها شطر الغب» وقال مرة فى كتاب الخلع «العضل الذى يدعى عضل الصدغين وعضل الماضغين» ومرة اخرى ايضا قال فى كتاب آخر وهو كتاب الكسر «وذلك العظم وهذا العظم الذى يسمى المرفق وهو الذى يتكأ عليه هما عظم واحد بعينه» وعلى هذا السبيل قال ايضا اقوالا اخر: منها قوله فى كتاب الخلع «تلك التى يقال لها المتنان» ومنها قوله فى المقالة السادسة من كتاب ابيديميا «الجراحات التى تسمى عفونة» ومنها قوله فى كتاب الخلع «واولئك ايضا الذين يسمون ذوى المرفق الشبيه بمرفق ابن عرس المولودين كذلك» ومنها قوله فى كتاب الكسر «او غير ذلك من عظام الموضع الذى يقال له مشط الرجل وهو الاخمص» ومنها قوله فى كتاب ابيديميا «الامراض التى تسمى الامراض الالهية» ومنها قوله فى كتاب الامراض الحادة «.....» 〈ومنها قوله〉 فى كتاب الهواء والموضع والماء «.....» ومنها قوله فى كتاب الامراض الحادة «.....» 〈ومنها قوله فى〉 الكتب التى وضعها فى الآراء المعروفة المنسوبة الى اهل قوس «.....» ومنها قوله فى كتاب ماء الشعير «واما الشراب المسمى سكنجبين» ومنها قوله فى كتاب ابيديميا «واما الشراب المتخذ من الشعيرة التى تسمى العنبة» ومنها قوله 〈فى المقالة الثانية من كتاب ابيديميا〉 «اسفل من الشاخصة التى يقال لها السن» ومنها قوله فى المقالة الثالثة من كتاب ابيديميا «الامراض المزمنة التى تسمى». وهذا باب ان اخذت فى ذكر جميع ما يجرى منه فى كلام ابقراط افنيت وقتى فيه. ولكن ارى ان اكتفى فيما قصدت له ههنا بواحدة وهى ان اذكر ما قاله ابقراط فى الكتاب المعروف بكتاب تدبير الامراض الحادة وهو الكتاب الذى يجعل بعض الناس ترجمته كتاب ماء الشعير، فانه قال فى ذلك الكتاب قولا هذه حكايته: «واحمد الاطباء عندى هو الذى يكون فى الامراض الحادة التى تفتك بالاكثر من الناس بينه وبين سائر الاطباء شىء يباينهم به فى الميل الى ما هو اجود، والامراض الحادة هى بمنزلة هذه التى سماها القدماء ذات الجنب وذات الرئة والسرسام والحمى المحرقة وغير ذلك من سائر الامراض القريبة من هذه وهى التى جميع الحميات الحادة معها وبسببها حميات مطبقة». فهذا قول ابقراط وانت تجده لم يجعل مخرجه مثل مخرج قول هؤلاء الاطباء البابية فيقول: «والامراض الحادة هى التى تكون الحميات الحادة معها وبسببها حميات مطبقة وهى ذات الجنب وذات الرئة والسرسام والحمى المحرقة»، بل استثنى فى قوله أنها بمنزلة هذه التى سماها القدماء كأنه اراد بذلك انه مطلق لنا لا محالة الا نسميها نحن كذلك بل نسميها اذا اردنا بغير هذه الاسماء. ومما يدل على ذلك انه لما اخذ فى ذم القوم الذين يعتنون بامر الاسماء ويتفقدون منها اكثر مما ينبغى ان يتفقدوه قال: «وعساها ليست بيسيرة العدد متى جعل انسان تعرفه لامراض المريض بان يكون الواحد منها مخالفا للآخر فى شىء ما وظن ان المرض ليس هو مرضا واحدا بعينه متى لم يكن اسمه اسما واحدا بعينه». فابقراط فى قوله هذا قد صرح بان من ظن ان الامراض متى اختلفت اسماؤها فهى ايضا امراض مختلفة ضرورة فهو عنده جاهل. واما اهل هذا العصر فانهم لا يخطرون هذا ومثله ببالهم فضلا عن ان يروه صوابا بل متى وجدوا انسانا سمى الحمى التى يسمونها هم شطر الغب باسم غير هذا تهيئوا بمنزلة العقرب اذا شالت حمتها ليضربوه كأنه من المحال ان اسمى انا فى المثل حمى من الحميات حمى غب ويسمى انسان آخر هذه الحمى بعينها شطر الغب. وانت تجد ان الحمى التى تمثلت بها فيما تقدم من قولى فقلت انها تنوب ستا وعشرين ساعة وتترك باقى اليومين وهو اثنتان وعشرون ساعة يسميها اغاثينس شطر الغب وقوم آخرون يسمونها حمى غب. وليس نتخوف من قبل الاسم شيئا من الاشياء الضارة التى يصير بها المريض الى خطر او يشرف على العطب بل انما يتخوف ذلك من الحمى اذا كانت حمى حالها حال الحميات الرديئة وكانت انما تفارق المحموم مقدارا من الزمان لا راحة له فيه ويؤمن منها ذلك اذا كانت على خلاف هذا. فليسم الآن اغاثينس هذه الحمى التى تمثلت بها شطر الغب واريد انا الا اسميها شطر غب لكن اسميها غبا.
فان كان مع مخالفتى له فى الاسم قد يقع ايضا بيننا اختلاف فى المداواة فلعمرى ان اختلافنا اختلاف وقع فى نفس الامور الخاصة بالصناعة. وان كان لا مانع لنا — وان استعمل كل واحد منا اسما غير الاسم الذى استعمله الآخر — من ان نداوى جميعا مداواة محمودة فقد افتضح جميع هؤلاء فضيحة بينة لانهم انما يعتنون بمهنة ليست من المهن الضرورية ولا من المهن النافعة. ولكنهم يقولون فى جواب هذا: «ان مهنتنا وان كانت ليست من المهن الضرورية ولا من المهن النافعة فان الانسان اذا كان يتكلم كلاما رديئا .....» على انهم لا يعلمون ايضا ما معنى ان يتكلم الانسان كلاما صوابا ولا كلاما خطأ اذ لا علم لهم بالفرق بين الكلام وبين التسمية ما هو. واصعب ما فى امر هؤلاء القوم انهم لا يعلمون ما الذى اليه قد عدل الناس فضلا عما سوى ذلك، واكاد ان اقول انهم ابعد عن المعرفة ممن يبحث فى وقت من الاوقات عن صواب الاسماء ومن هو العالم بفضيلة الكلام منهم عن المعرفة بما يهربون منه ويكرهونه.
من ذلك ان فى الحمى التى تترك اثنتين وعشرين ساعة هم على استخراج المعرفة بالوقت الذى ينبغى ان يغذى فيه المحموم اقدر منهم على معرفة الصواب فى الاسماء وانهم ايضا لم يكونوا عالمين بذلك. فانهم عند ما يقتص ذلك عليهم احد من الناس يفهمونه عنه اسرع مما يفهمون عنه اذا هو قص عليهم امر الالقاب والاسماء وميز ذلك وحدده واستقصى النظر فيه. وانت تقدر ان تعلم بانى انما قلت فى هذا الحق اذا انت سمعت منى كل واحد من القولين. وانا مقدم اولا القول الذى منه يتعلم الانسان فى اى وقت ينبغى له ان يغذو المحموم ثم اتبع ذلك بالقول الذى يصف كيف تميز وتحدد الالقاب والاسماء، فان الابتداء بما هو اعون وانفع فى الصناعة وهو معرفة الوقت الذى ينبغى ان يغذى فيه المحموم اولى.
مخ ۱۲