اتحاف ابناء العصر بتاريخ ملوك مصر
إتحاف أبناء العصر بتاريخ ملوك مصر
ژانرونه
واعلم أن الذي أسس دين القوم الفارسيين في سالف الأزمان هو زرادشت، ولم يتحقق تاريخ مضبوط لوقت وجود هذا الرجل، إلا أن الأقرب للصحيح أنه قد كان في القرن الخامس أو السادس والعشرين قبل المسيح عليه السلام، ولا يعلم شيء ثابت صحيح فيما يتعلق بحياة زرادشت المذكور، غير أنه قد كان هو المنشئ للمذهب الديني الذي اسمه لغاية الآن مشهور، وقد دون أحكامه الدينية في كتاب يعرف الآن باسم «زندوستا»، ولا يعرف له أيضا وطن معين، ويقال إنه كان في بلاد بكتريان.
أورموزد وأهريمان
وقد كان أورموزد في اعتقاد زرادشت ومن تبع دينه عبارة عن إله الخير فيقولون بأنه هو الذي خلق الخلق، وهو الروح العاقل الحكيم، ويعبر عنه بروح القدس وأصل الخير، ويتصور عندهم بالنور والشمس، والنار يدعونها بصفة ولده، وأنه خالق كل شيء، وله إله آخر، وهو على الدوام والاستمرار خصم له، وأن إله الخير في نزاع مستمر بقصد أن يتسلطن عليه ويعلو فوقه، وأنه هو الروح الخبيث أو أصل الشر، ويدعونه باسم «أهريمان» ويقال إنه خلق الشر والموت، ولا بد أن يأتي عليه يوم في آخر الزمان يغلبه إله الخير ويعلو عليه، ويستحيل إله الشر إلى حالة العدم، وتعود الخليقة كما كانت قبل من الصفو والنقاوة، ويذهب أهريمان المذكور إلى حيث لا يرجع، ويسمى مذهب زرادشت هذا بالديانة المزدية، وأما ديانة المجوس عبارة عن مذهب اعتزال ناشئ عن أصل دين زرادشت، مبني على عقيدة التثنية الإلهية، كدين المزدية، غير أن الفرق بينهما أن المجوس يعتقدون مساواة الأصليين أرموزد وأهريمان اللذين هما إله الخير وإله الشر عندهم، ويتعبدون لعدد عظيم من الآلهة المتعددين والأصنام المعبودين؛ حيث سرى لهم ذلك من ديانة الأمم المجاورة لهم، لا سيما الآشوريين، وهذا أمر مناقض بالكلية لأصل شريعة زرادشت الأصلية. (2-2) ذكر الدولة الميدية
أرباس والدولة الجمهورية الميدية
قد تقدم أن أرباس وفول البابلي قسما المملكة الآشورية قسمين، واستقل كل منهما بقسم، وبعد هذه الفتنة استقر «أرباس» في بلاده الأصلية، إلا أنه لم يكن فيها ملكا حقيقيا، بل كان قائدا عسكريا، ورئيسا جهاديا لملة مرتبة ترتيبا سياسيا أساسيا على هيئة ما يعرف الآن عند الأمم المتأخرين بالحكومة الجمهورية، وبقي الحال كذلك حتى لحقته الوفاة، فاستمر الميديون على تلك الهيئة الجمهورية من بعد وفاته، غير أنهم لم يوجد فيهم من يقوم بأشغالهم، فتفرق شملهم وتمزق حالهم، وبعد زمن قليل قامت الدولة الآشورية من سقطتها في أسرع وقت وأعادت قوتها العسكرية، فقامت هذه الدولة وعزمت على إعادة الدول التي كانت خرجت عن طاعتها لولا تعصبات الأمم عليها، وقد كادت بلاد ميد أن تقع في حبالة أسر الدولة العراقية بالثاني، ثم استمروا على ما هم عليه إلى أن اجتمعوا في هيئة دولة واحدة قوية، واتخذوا هيئة الحكومة الملوكية.
ذكر ديجوسيس، ومنشأ ترتيب الملك ببلاد الميديين
كان هذا الملك في مبدأ أمره رجلا معتبرا في قومه، فبذل جهده بأن يقضي بالحق بين أهل عشيرته بخلاف سائر القبائل الميدية الأخر، ولما شاهد أهل بلاده حسن سيرته ولوه عليهم قاضيا، فسلك في جميع أعماله مسلك العدل والاستقامة، واستمروا على ذلك إلى أن ولوه ملكا عليهم، وبعد ذلك أمرهم بأن يشيدوا له قصرا يليق بمرتبته ويرتبوا له حرسا يقومون بحفظ ذاته، فامتثلوا لذلك الأمر، وبنوا له في المكان الذي أشار إليه عمارة جسيمة متسعة حصينة، ودار مملكة جميلة متينة، وأباحوا له أن ينتخب من شاء من جميع أفراد الأمة، ليكونوا لنفسه طائفة حرس ملوكية، وبمجرد أن صعد على سرير الملك أخبر الرعية على أن يبنوا له مدينة ويزينوها بأنواع الزينة ويحصنوها بالقلاع، فأذعنوا إليه كل الإذعان، وشيدوا له ما أمرهم به، وهي المسماة في ذلك الوقت باسم «إيكباتان» وهي مكانها الآن «همدان».
ذكر الملك فراوورت من 657-635ق.م
ولما مات الملك ديجوسيس تولى بعده ولده المدعو فراوورت، وكان ملكا مغازيا محبا للجهاد، ولا نعلم شيئا صحيحا من أخبار أوائل مدة حكمه غير ما يظهر لنا من أنه كان قد أشغلها بطرد الآشوريين من سائر الأماكن التي كانوا لم يزالوا عليها مستولين من بلاد ميد، ولم يبتدئ في مغازيه الكثيرة إلا في سنة 650ق.م، فأطاع أولا بلاد فارس الأصلية، وكانت في ذلك العصر قد أخذت في أن تتكون في هيئة مملكة متحدة بعد أن كانت قد مكثت مدة مديدة وهي متجزئة إلى عدة قبائل صغيرة متعددة، وكان ملك الفرس المسمى عند اليونان باسم آشيمينوس هو آخر ملك استقل بمملكة فارس الأصلية، ثم حاربه الملك «فراوورت»، وأدخله تحت طاعته، وإليه نسبت العائلة الأشيمينوسية، وهي التي تسمى عند العرب والفرس بعائلة الكيانية.
ولم تك همة هذا الملك قاصرة على فتح تلك الجهات، بل إنه أطاع لدولته سائر الأمم المتوطنين وراء جبال «هندوكوش»، وأدخل أيضا بلاد بكتريان «وبكترية» وملحقاتها من ولاية «هركانيا» والمرجيان والسوجديان تحت طاعته، وكانت الأمة الأرمينية مذعنة بالتبعة لسلطنته، وحيث كان الملك فراوورت قد استولى على جميع هؤلاء الأمم، وبذلك جعل المملكة الميدية سلطنة جهادية متسعة ودولة عسكرية حربية، وظن أنه يمكنه الاستيلاء على مدينة نينوى، وكانت قامت من سقطتها لسالف بهجتها وعظمتها بعناية الملك ديليلي، وشرع في أن يطيعها لدولته، لكن خاب أمله، وهلك هو وجنوده جميعا، وذلك في سنة 635ق.م.
ناپیژندل شوی مخ