والموضع الرابع: في السورة التي يذكر فيها بني إسرائيل ، وهو قوله: { قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا (88) } [الإسراء] . فانظروا - رحمكم الله - فهل يكون في التحدي شيء أبلغ منه ؟! وإخباره عز وجل: { قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن } ، دليل على أنه خبر من عند علام الغيوب ، لأن الانسان لا يعلم ما يكون بعده ، والعاقل لا يرضى لنفسه أن يخبر خبرا ، لا يأمن أن يقع غيره على خلاف ما أخبر ، فيظهر كذبه عند أوليائه وأعدائه ، سيما إذا كان أمره مبنيا على الصدق ، وبأن أعظم ما يرميه به أعداؤه أنه كاذب في دعواه . فوضح لما بيناه أنه صدر عن العالم بما كان وبما يكون ، وهو الله رب العالمين . وهذا مما يمكن أن يعد دلالة برأسها ، وسنذكرها وما يوضحها من بعد ، بعون الله تعالى .
والموضع الخامس: في السورة التي يذكر فيها القصص ، وهو قوله تعالى: { قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين (49) فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين (50) } [القصص] .
كان قوله عز وجل: { قل فأتوا بكتاب من عند الله } تحديا ظاهرا . وقوله: { فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم } تحد ثان ، لأنه قرعهم بترك الاستجابة إلى ذلك ، ودل بذلك على أنهم يتبعون أهواءهم . وقوله: { ومن أضل ممن اتبع هواه } تحديا ثالثا ، لأنه ذمهم ونسبهم إلى الضلال ، لاتباعهم الهوى الذي جعل تركهم الاستجابة إلى الاتيان به علما عليه .
وقوله: { إن الله لا يهدي القوم الظالمين (50) } ، في هذا الموضع أيضا فيه معنى التحدي ، لأنه أخبر أن الله لا يهديهم .
مخ ۶۹