179

الكلام في ذكر ما في القرءان من الإخبار عن الغيوب

من ذلك قول الله عز وجل: { وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين (23) فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة } [البقرة] ، وقوله: { قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا (88) } [الإسراء] ، وهذا من الغيب لا يعلمه إلا الله عز وجل ، لأن البشر لا سبيل لهم أن يعلموا كلاما يوجد مشتملا على التحدي والتقريع على العجز عن الاتيان بمثله ، فلا تقع له معارضة أبدا ، سيما والقوم الذين تحدوا به غاية في العداوة للمتحدي ، مع أنهم أهل البلاغة والمعرفة بذلك الشأن ، بل المعلوم أن المعارضة تقع لا محالة منهم إذا تمكنوا منها .

فإن قيل: فما يؤمنكم أن تقع المعارضة بعد هذا الوقت ، وإن لم تكن وقعت إلى هذه الغاية ؟!

قيل له: يؤمننا ذلك أن الخبر صدق ، ويعلم أنه صدق أنه لو لم يكن صدقا ، لكان لا يجوز أن يجري الأمر في مخبره على ما أخبر نحوا من أربعمائة سنة ، مع الأحوال التي ذكرناها . لأن ما يقال على سبيل التخمين والرجم ، لا يجوز أن يستمر الأمر في مخبره على هذا الحد ، فعلم أنه خبر صدر عن علام الغيوب .

مخ ۲۳۳