وأقدم أمام الغرض فصلا أذكره من قبل علماء أهل البيت عليهم السلام ، وهو أن الله تعالى لما بعث موسى صلى الله عليه بعثه بالآيات التي بهرت ، ما كان هي ولوع الناس به في ذلك الزمان من السحر والتمويهات ، وأتاهم من العصا واليد البيضاء ، وفلق البحر ، ونحو ذلك ، مما لا تبقى معه شبهة في أن ذلك ليس من السحر في شيء ، إذ كان أولئك به أعرف ، وبالفصل بين السحر وبين ما ليس بسحر أعلم. لعلمهم بمبلغ قوة السحر ، وغاية أمره .
ولما بعث الله سبحانه المسيح صلى الله عليه ، آتاه من الآيات التي بهرت ما كان ولوع الناس به في ذلك الزمان من الطب ، فأيده سبحانه بإحياء الموتى ، وإبراء الأكمه والأبرص ، لئلا تبقى شبهة لأحد منهم ، لأنهم كانوا أعرف الناس بمبلغ قوة صناعة الطب ، ومنتهى غايته . وما يكشف لهم من الأمر ما عساه كان لا ينكشف لغيرهم في تلك المدة اليسيرة (¬1) .
ولما بعث الله تعالى نبينا محمدا صلى الله عليه في قوم هم الغاية في الفصاحة والبلاغة ، والنهاية في البيان والسلاقة . إذ حظ العرب من ذلك أوفر الحظوظ ، ولهم منه ما ليس لغيرهم من الأمم ، فأيده سبحانه بالقرءان ، وجعله معجزا له ، لأنهم يعرفون من حاله ، ما لا يعرف غيرهم ، ولأنهم إذا عجزوا عن معارضته ، لم تبق شبهة في أن غيرهم أعجز وأعجز . ومع ذلك لم يخله عز وجل من سائر المعجزات على ما نبينه من بعد . بل كثر ذلك ، وتواتر ، حتى لم يبق في أمره شبهة لمنصف . والحمد لله على نعمه السابغة ، ومنحه البالغة .
مخ ۶۱