قصده بذلك مكة وأهلها ولا خراب الكعبة، وإنما كان قصده خلع ابن الزبير عن الخلافة ولم يتمكن من ذلك إلا بذلك، فلما حصل ما قصده أعاد بناء الكعبة، فبناها وشيدها وعظم حرمتها وأحسن إلى أهلها.
واختلفوا هل كانت مكة محرمة قبل دعوة إبراهيم أو حرمت بدعوته، على قولين:
أحدهما: أنها كانت محرمة قبل دعوته، بدليل قوله (صلى الله عليه وسلم): «إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض». (1) وقول إبراهيم دليل على هذا المعنى: إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم فهذا يقتضى أن مكة كانت محرمة قبل دعوة إبراهيم.
والثانى: أنها إنما حرمت بدعوة إبراهيم بدليل قوله (صلى الله عليه وسلم): «إن إبراهيم حرم مكة، وإنى حرمت المدينة» (2) وهذا يقتضى أن مكة كانت قبل دعوة إبراهيم حلالا كغيرها من البلاد، وإنما حرمت بدعوة إبراهيم.
ووجه الجمع بين القولين- وهو الصواب- أن الله تعالى حرم مكة يوم خلقها كما أخبر النبى (صلى الله عليه وسلم) فى قوله: «إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض» (3).
ولكن لم يظهر ذلك التحريم على لسان أحد من أنبيائه ورسله، وإنما كان تعالى يمنعها ممن أراد سوءها ويدفع عنها وعن أهلها الآفات والعقوبات، فلم يزل ذلك من أمرها حتى بوأها إبراهيم وأسكنها أهله، فحينئذ سأل إبراهيم ربه عز وجل أن يظهر تحريم مكة لعباده على لسانه، فأجاب الله دعوته، وألزم عباده تحريم مكة، فصارت مكة حراما بدعوة إبراهيم، وفرض على الخلق تحريمها والامتناع من استحلالها واستحلال صيدها وشجرها، فهذا وجه الجمع بين القولين، وهو
مخ ۴۷