-70- عليه بالكذب ، قذفا ورميا له بالدعاوى لا يدحض حجتهم بمقاله ، ويخالف دعواهم بفعاله ، فيشهد له الحق بالصواب عليهم ، أنهم عليه بذلك من الكذب .
وإن رأوا منه إلى قولهم مقاربة ، و استوهنوا موضعه وجانبه ، أوردوه حياض المنايا والمهالك ، ويمموه أضيق الطرق والمسالك ، وذبحوه مع ذلك بغير شفرة ولا سكين ، إذ أعطوه بأمانيهم له أنهم قد هدوه لصحيح الدين ، وأبصروه بزعمهم سبيل المهتدين ، فهو في ضلالله أبدا يهرع ، وفي ظلماته وعمايته يتسكع ، كلما ذهب شيء من أيامه ، وخاف نزول منيته وحمامه ، ازداد في تمسكه بذلك حرصا ، وأمر بذلك من قدر عليه من الناس وأوصى ، وكلما ازداد في تقربه إلى الله بذلك اجتهادا ازداد عن الله ورضائه بذلك إبعادا ، حتى تفجؤه قضيته ، وينزل به أجله ومنيته ، فيحصد من ذلك الويل والخسار ، ويصلى بذلك دار البوار ، ويكب على وجهه بذلك في النار ، إلا أن يتوب من ذلك ويقلع ، ويستغفر ربه من ذلك ويرجع ، وإن رأوا منه عن أمرهم تحرقا ، و إمساكا عن طاعتهم وتوفقا ، استشهدوا عليه بمن حضر من أكابرهم ، وتألبوا عليه من صياصيهم وحذافيرهم ، وأرعدوا عليه بأراجيفهم وأبرقوا ، وموهوا عليه من دقائق كذبهم وخرفوا ، ولطفوا له لطائف خدعهم ورفقوا ، وحذروه مخالفة بدعتهم ، وأغلظوا عليه في ذلك و أفرقوا ، فإن تبعهم على ضلالهم وغوايتهم ، وأعطاهم في ذلك منيتهم وهواهم ، قدموا في ذلك أمره وشانه ، وأجلوه قدره ومكانه ، وأوجبوا على أنفسهم ولايته من حين ما استوجبوا بغضه وعداوته ، وإن عصمه الله منهم ونجاه بفضله عنهم ، وكان بما آتاه الله من الهداية متمسكا ، ولسبيل المهتدين سالكا ، قذفوه بالحيرة والشكوك ، وقالوا هذا المبتدع الأفوك (1) ، والمتمرد على الله المهتوك ، وان لم يقطعهم منه بالإياس ، ولم يطعهم فيما يدعونه إليه من الظلم والالتباس ، رجعوا هنالك على أنفسهم فقالوا إنا نحن لسنا بحجة عليه ، ولكنا نأمره بمن
-71-
__________
(1) - الأفوك : من قول الإفك أي الأفاك : (الكذاب ).
مخ ۷۱