-207- غيره ، ولا يقوم بنفسه عند غيره إلا بغيرهما من الآلات ، وإنما يصح هذا أن يكون قادرا على غيره ، القادر على جميع الأشياء - تبارك وتعالى - ، وما سواه من الأشياء المحدثات فعاجزات مضرورات غير قادرات إلا بمقدرات غير القادرات وغير المقدورات ، فكل صانع سوى الله - تبارك وتعالى - ، فهو صانع يصنع غيره لمصنوع غيره ، فإذا عدم الصنع الذي به يصنع المصنوع ، كان غير قادر على الصنع ، ولا يكون صانعا أبدا إلا بصنع غيره .
كذلك العقل لا يعقل المعقولات إلا بمادة من غيره ، من بصر أو سمع أو خاطر أو حس أولمس ، أو شيء يؤدي إليه ذلك العقل المكتسب له ، لأن المكتسب أضعف من أن يوصل نفسه إلى المكتسب له بغير الآلة ، والمكتسب أضعف بأن يصل إلى المكتسب إلا بغيره ، وغير المؤدي إليه للمكتسب إلى المكتسب ، فعاجز أن يؤدي المكتسب إلى غير مكتسب ، أو يؤدي إلى المكتسب غير مكتسب فكل الأشياء عاجزة عن القيام بأنفسها وبغيرها الا على ما قد قدر لها من ذلك ، ووصلت إليه من صنع الله لها وبها وفيها .
فصل : فان قال : فإن معرفة الله - تبارك وتعالى -لا يعذر بها العبد في حال من الحال ، وهذا هو المراد من القائل ، ولكنه لتأويل الحق في هذا جاهل .
قيل له : كذلك إذا بلغت معرفة الله الى العقل الصحيح بشيء من المبلغات ، لم يعذر العبد أن يعرف من صفة الله -تبارك وتعالى - الا ما هو قادر ، غير عاجز عنه في حال ما كلف من ذلك ، ولايكلف من ذلك الا ما حملته طاقته ، ما لم تقم عليه حجة ذلك بغيره ، والعقل غير مطيق فيما كلفه الله في دينه ، أن يعلم علم المكتسبات غريزة وخلقا ، وهذا من المحال ، ولا يكون أبدا علم غريزة وخلق مكلفا علم المكتسبات بغير آلات مؤديات ، ولا مكلفا علم نفسه ، هذا من المحال ، ولا يعقل العقل نفس العقل ، وإنما يعقل العقل غيره ، وغير المكتسب ، وقد مضى القول في ذلك ، ولا يتكلم في
-208- هذا إلا قليل العلم والبصر .
مخ ۲۰۸