الوجه الثاني عشر وأما حديث أبي موسى الأشعري وقوله ما أنا حملتكم ولكن الله حملكم لم يرد به النبي صلى الله عليه وسلم كون الله خالق أفعال العباد فإن هذا يتناول هذا الفعل وغيره من الأفعال ومعلوم أنه لم يقل لم أركب ولكن الله ركب ولم يقل ما جاهدت في سبيل الله ولكن الله جاهد ولا سافرت ولكن الله سافر ونحو ذلك بل النبي صلى الله عليه وسلم لما سألوه أن يحملهم قال: «والله ما أحملكم وما عندي ما أحملكم عليه» فلما ذهب أبو موسى بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنهب إبل فأمر فبعث منها إلينا بخمس ذود غر الذرى فقلنا تغفلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمينه لا نفلح أبدا فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال: «ما أنا حملتكم ولكن الله حملكم» فلما لم يكن منه قصد ولا قدرة صح أن يقول ما حملتكم لأني لم يكن عندي ما أحملكم عليه ولكن الله حملكم بما يسره من الحمولة التي أتى بها بغير فعل مني فنفى الحمل عن نفسه وأضافه إلى الله تعالى لأنه أراد به تيسير الحمولة ولم يكن له في هذا فعل
ثم قال: «وإني والله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها» وقال لهم هذا لما قالوا إنك حلفت أن لا تحملنا وكان قد قال: «ما عندي ما أحملكم عليه» فبين لهم أني حلفت للعسرة والعجز وأن الله يسر بالحمولة فهو الذي حملكم ومع هذا فإني أحنث في يميني للمصلحة الراجحة وأكفر
وهذا الكلام يتضمن إما جوابين من النبي صلى الله عليه وسلم كل منهما مستقل وإما الجواب بأحدهما كأنه يقول أنا ما حملتكم وإن كنت حملتكم فأنا أكفر وعلى الأول يقول الحمل الذي طلبتموه ما حصل مني بل من الله والحمل الذي حلفت عليه أكفر عنه
مخ ۳۷۲