فإن أردت الأول فهو صحيح ولكن يناقض قولك فإن هذا مختص بمن يأمر بما أمر الله به وينهى عما نهى الله عنه لم ينزل الله أحدا منزلة نفسه في الأفعال ولا جعل الله أفعال محمد صلى الله عليه وسلم كصومه وصلاته وحجه واعتماره وجهاده ونكاحه وأكله وشربه ودعائه وتضرعه فعلا له ولا جعل نفس مبايعته للمؤمنين فعلا له بل جعل المبايع له إنما يبايع مرسله والجزاء عيله كما جعل من أطاعه فقد أطاع الله فهذا خاص ليس عاما في كل أفعاله
وأيضا فلم يجعل هذا الفعل فعل الله بل أخبر أن محمدا رسول الله يبايع عنه والمبايعة لمرسله في الأصل كما أن الطاعة طاعة لمرسله في الأصل وكما أن معاملة الوكيل معاملة مع موكله وليس في هذا إسقاط فعل الوكيل عنه عن أن يكون وكيلا وإنما فيه إثبات النيابة له عن غيره
وإن أردت أن الله خالق بيعته فهذا المعنى صحيح عند أهل السنة المثبتة للقدر الذي هو خلق الله خلافا لنفاته ولكن إذا فسرت الآية بهذا سويت بين الأنبياء والشياطين وبين آدم وإبليس وبين موسى وفرعون وبين أولياء الله وأعدائه ولزمك أن تقول كفر الكافرين في الصورة ولربهم في المعنى أو لعنته للكفار هي للكفار في الصورة ولربهم في المعنى
مخ ۳۶۴