278

فالاسترقاء طلب الرقية من المخلوق وكأنه يقول هذا فيه جعل المخلوقين كلهم مثل الغريق ويدخل في ذلك الأنبياء وغيرهم وفي الناس من يمكنه إغاثة غيره فيقال أبو يزيد أراد والله أعلم الاستغاثة المطلقة التي لا تصح إلا بالله وهو أن يطلب من المخلوق مالا يقدر عليه إلا الله تعالى كإزالة المرض والانتصار على العدو وهداية القلب وهذا القدر يمكن المسؤول أن يتسبب فيه بأن يدعو الله تعالى له ويجيب الله دعاءه كما أنه قد يمكن بعض الغرقاء أن يمسك غيره ويخلصه إذا كان فيه قوة على ذلك وإن كان أراد كل ما يسمى استغاثة بحيث لا يطلب من المخلوق شيئا فهذا كقوله صلى الله عليه وسلم «لا يسترقون» وقوله «إذا سألت فاسأل الله»

وحينئذ فالمسؤول كائنا من كان لا يفعل شيئا إلا بمشيئة الله وقدرته فهو أحوج إلى معونة من الغريق إلى من يخلصه فإن الغريق غايته أن يموت وهذا إن لم يغثه الله تعالى لم يفعل شيئا قط بل هلك فافتقار الخلق إلى الخالق أعظم من افتقار الغريق إلى المنقذ والمسجون إلى من يرسله ولهذا قيل استغاثة المخلوق بالمخلوق أبلغ من هذا كالاستغاثة بالمعدوم

الرابع قوله وإن كنا نعلم أن المراد بها المراد بقول القائل لا يستغاث إلا بالله ولا يفرج الكربة إلا الله تعالى فيقال هذا يقتضي تصويب هذا النافي وعلى قولك لا يكون هذا النفي صوابا لأنك قلت إنه يستغاث بالمخلوق في كل ما يستغاث فيه بالله وحينئذ فهذا الإثبات يناقض ذلك السلب العام

وقد تقدم أن دعواه أن المثبت هو عين المنفي في كلام الله ورسوله خطأ بل ما نفاه الرب سبحانه عن غيره لم يثبته له والمنفي عن المخلوق ما اختص الرب به وكذلك قول أبي يزيد وغيره

مخ ۶۰۰