أصحابها طولوا في ذكر الأنساب، وأكثروا من إيراد الروايات الحديثية، وفاتهم أن يتقصوا أخبارهم وأحوالهم، فارتأى أن يجمع بين هذه المعارف ويخرجها لطالبيها شرابا خالصا، وهو في هذا يكون قد انتهج منهجا علميا قائما على الملاحظة والجمع والتقصي والتنقيح خلافا لمنهج سابقيه في الكتب التي كانت متداولة خصوصا في ميادين الحديث.
ويزيد دعامة لمنهجه العلمي استعماله لألفاظ الجرح والتعديل لنقد الرواة ونقد الأسانيد والترجيح بين الروايات.
وقد أفصح أبو عمر في خطبة استيعابه عن منهجه، وأشار إلى أهم المصادر التي استقى منها مادته الأصلية، والشيوخ الذين حدث عنهم أو قرأه عليهم، يقول أبو عمر: (وقد جمع قوم من العلماء في ذلك وأكثروا من تكرار الرفع في الأنساب ومخارج الروايات، وهذا وإن كان له وجه، فهو تطويل على من أحب علم ما يعتمد عليه من أسمائهم ومعرفتهم، وهو مع ذلك شيء ليس عند صاحبه، فرأيت أن أجمع ذلك وأختصره وأقربه على من أراده. واعتمدت في هذا الكتاب على الأقوال المشهورة عند أهل العلم بالسير، وأهل العلم بالأثر والأنساب، وعلى التواريخ المعروفة التي عليها عول العلماء في معرفة أيام الإسلام وسير أهله) (^١٣).
وقال في موضع آخر: (وقد ذكرنا أنساب القبائل من الرواة من قريش والأنصار وسائر العرب في كتاب"الإنباه على القبائل الرواة"، وجعلناه مدخل هذا الكتاب ليغنينا عن الرفع في الأنساب، ويعيننا على ما شرطناه من الاختصار والتقريب) (^١٤).
فبين الاستيعاب والإنباه إذن علاقة وطيدة، كل منهما يكمل الآخر، وذلك بالنسبة للمتخصصين في هذا الميدان.
_________
(^١٣) ابن عبد البر: الاستيعاب ١/ ١٩ - ٢٠.
(^١٤) ابن عبد البر: الاستيعاب ١/ ٢٤ - ٢٥.
1 / 44