ثم مضى الرسول إلى خيمة الأميرال فأبلغه رسالة الشيخ ضاهر، فأمر هذا بتنفيذ ما جاء فيها.
ولم تمض ساعة حتى خرج الجزار وأعوانه من المدينة، وقد كسا وجوههم الخجل لما أصابهم من الفشل والانكسار، ورغم الخراب الذي عم المدينة أخذ أهلها في الاحتفال برفع الحصار عنها وخروجها من حكم الجزار.
وفي مساء اليوم نفسه عاد جميع الجنود الروسيين إلى سفينتهم في البحر، معتزمين الرحيل بعد أن أدوا مهمتهم، وعرض الأميرال على السيد عبد الرحمن أن يصحبه في سفينته كما صنع في المرة الماضية، فاعتذر شاكرا، ثم سار هو وعلي خادمه ومعهما عماد الدين إلى صيدا فوصلوا إليها بعد مسير حوالي عشر ساعات على شاطئ البحر بالهجين، وهناك ودعهما عماد الدين على أن يسير هو جنوبا قاصدا إلى عكا، بينما يسيران هما شرقا قاصدين إلى دمشق عبر جبال لبنان؛ وذلك كي يبحثوا جميعا في تلك المناطق، ثم يكون لقاؤهم جميعا في عكا بعد شهر.
الفصل الثالث عشر
فتح دمشق
ركب السيد عبد الرحمن وعلي خادمه الخاص هجينهما وسارا من صيدا وهما لا يزالان في زيهما المغربي قاصدين إلى دمشق.
وبعد المسير ثلاثة أيام قاصدين تارة على ربى لبنان، وهابطين تارة في سهوله وأوديته، وصلا إلى سهل البقاع المشهور بخصبه، وهو واقع بين جبل لبنان من الغرب وجبل الشيخ من الشرق، فمكثا هناك يوما للاستراحة، ثم استأنفا رحلتهما فقطعا وادي الحرير، ثم وادي القرن المشهور يومئذ بكثرة من فيه من اللصوص وقاطعي الطريق.
وأخيرا دخلا دمشق من باب الجابية، ونزلا بأحد فنادقها حيث باتا فيه ليلتهما واستراحا قليلا من عناء رحلتهما الشاقة، وفي الصباح غادرا الفندق وأخذا يطوفان بأسواق المدينة وشوارعها، وأمضيا في ذلك طول النهار وهما يمعنان النظر في كل غريب يصادفهما لعله أن يكون ضالتهما، ثم عادا إلى الفندق في المساء فتناولا فيه عشاءهما، وأمضيا بعض الوقت يرسمان الخطط ويختاران أحسنها للبحث عن حسن.
وفيما هما جالسان في اليوم التالي بأحد المقاهي، يحتسيان القهوة وأمام كل منهما نارجيلة يدخن فيها التمباك، اقترب منهما أحد أهل المدينة وقد لفت نظره زيهما المغربي وحياهما في أدب ولطف، ثم بدأهما بالحديث قائلا: «لعل دمشق أن تكون قد أعجبت السيدين الكريمين.»
فقال السيد عبد الرحمن: «الحق أنها مدينة عامرة جميلة، وقد وجدنا من لطف أهلها وكرم أخلاقهم ما أنسانا مشاق الأسفار والشوق إلى الوطن والأهل.»
ناپیژندل شوی مخ