وهكذا نرى القرآن يعرض هذه الأحداث والشخصيات والمواقف المثيرة ، ويتلقاها السامع وينفعل بها ، وتتراءى له المحنة وقد أصبحت قدرا لا يمكن تجاوزه ، ثم تراه ينسحب بوعي الإنسان ويميل به من أحداث الطبيعة وأقدار المادة إلى عالم الغيب والقدر القاهر لقوى الطواغيت وقوانين الطبيعة وأقدار المادة ، فيفتح للانسان أبواب الغيب ، فيطل من خلاله على عالم مذهل ، يستوي لديه البحر والسهل ، وبطن الحوت وأحضان البيت السعيد وغيابة الجب وسفح الجبل وحبل المشنقة وأطواق الياسمين ، ثم لا يترك العقدة بلا حل ، والرمز بلا تفسير أو الموقف بلا قرار ، وعندما ينتهي من معالجة الموقف يكون قد غرس في نفس المخاطب أهداف القصة ، وأوحى للانسان بعظمة الله وقدرته ، فيتصاغر أمامه مكر الطغاة ويزرع في نفسه الأمل والرجاء حينما يشتد الضيق وتتقارب حلقات المضيق ، ثم نرى من خلال ذلك هشيم الكبرياء وخواء الجاهلية الذي طالما بدا مرعبا متماسكا ، وقد تساقط من هول الحدث ، كما تتساقط الاوراق في فصل الخريف ليثبت في وعي الإنسان قانونا من قوانين التاريخ ، وحقيقة من حقائق الطبيعة الاجتماعية :
(فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الارض ).( الرعد / 17 )
مخ ۸