مرحلة جديدة
مراحل ثلاث مر بها إسماعيل ، كان لكل مرحلة مغزاها وكفاحها وقيمتها في تربية إسماعيل وإعداده للنبوة والإمامة ، مرحلة الطفولة والهجرة والمعاناة وتفجر زمزم، ومرحلة الصبا، البلاء المبين، رؤيا الذبح والاستسلام لأمر الله ، ومرحلة بناء الكعبة البيت مثابا للناس وأمنا .
انتهت المراحل الثلاث من حياة إسماعيل التي قضاها وسط جرهم ، فتربى مع هذه القبيلة وتعلم لغتها وأصبح ينطق بالعربية ، وشاء الله أن يتم هذا التفاعل ليمتد إلى رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) : (ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم ) . ( البقرة / 129 )
عرفت جرهم هذا الشاب المبارك وخبرت الصدق والوفاء والبركات فيه ، فزوجوه إحدى بناتهم ، ثم شاء الله أن يفقد إسماعيل كلمة الحب ونظرة الحنان وعطف الأمومة الرؤوم ، فقد ماتت هاجر(18) ومات حب إسماعيل ومأوى فؤاده ، ومستودع حنانه ، فقد الأم التي حنت عليه وتغربت به وعانت شظف العيش ووحشة الغربة وبعد الأهل والديار من أجله، وحملت بذرة النبوة ورعت غرس التوحيد في أرض المعجزات ، ماتت هاجر وقد بلغت من العمر تسعين سنة (19)، فدفنها إسماعيل في الحجر إلى جوار البيت الحرام ، يغدو على قبرها ويروح .
لقد كان زواج إسماعيل من الجداء بنت سعد من جرهم، وأقام بينهم مع زوجته قرب بيت الله الحرام .. وذات يوم غدا عليه الخليل ، وفد ليزور هاجر وإسماعيل (20)، وقف عند دار هاجر، فوجد الجداء، استفسر منها عن إسماعيل وهاجر فأجابت بأنهما صحبا غنمهما وذهبا للراعي (21) سألها الخليل عن حال الدار وأهلها ثم قال لها: هل عندك ضيافة؟ فقالت : ليس عندي ضيافة وما عندي أحد (22).استمع الخليل إلى كلماتها وتأمل في منطقها ومحياها فلم يجد خلق المرأة التي فيها تليق ببيت النبوة وتصلح لأن تكون اما للذرية المباركة .. وبأدب النبوة حملها الخليل السلام لولده ، وألقى إليها كلمة سر رمزية كان إبراهيم يعلم أنها لا تخفى على ذكاء إسماعيل وفطنته ويقظة حسه ، قال لها: إذا جاءك زوجك فأقرئيه السلام وقولي له فليغير عتبة بابه (23) .
مخ ۲۸