رؤيا ووفاء
شب الصبي في أرجاء الحرم ، وبدأت بوادر القوة والفتوة تظهر عليه ، فراح يصلح النبل ، ويمارس الصيد في رحاب الحرم .
لم يكن الخليل لينقطع عن ولده وعن مهوى قلبه ، وموضع كعبة توحيده ، فكان بين الفينة والفينة يزور الديار .. وذات مرة قدم إبراهيم وهو يسر في نفسه رؤيا رآها ، رؤيا الابتلاء والاختبار واكتشاف الحقيقة ..
لقد كان اختبارا من نوع خاص يتناسب وانكشاف حقائق التوحيد ، ومعرفة النبوة الحقة بالله ، لقد ابتلي إبراهيم بذبح ولده ، وابتلي إسماعيل بإعارة جمجمته لله سبحانه ، إنه اختبار من نوع فريد ، لا يبتلى به ولا ينجح فيه إلا اولئك الذين عرفوا الله حق معرفته ، فلم ينظروا للدنيا إلا من خلال علاقتهم به سبحانه ، ولم يرتبطوا بها إلا من خلال ما يرضيه ويحقق إرادته .وقف إبراهيم بجوار إسماعيل، وهو يراه يافعا يمتلئ حيوية ونضارة ، ويفيض حبا لأبيه واحتراما ، وقف وهو يحمل السر في نفسه ، يريد أن يبوح به إلى ولده ، بعيدا عن امه هاجر ، تلك الأم التي تحملت من الآلام والمشاق من أجل وحيدها إسماعيل ما لم تتحمله ام في الدنيا .. وما عسى إبراهيم أن ينقل إليها من خبر ؟ .. طوى عنها سر الرؤيا ، وأسر الكلمة إلى ولده ، وراح يحدثه بصدق وطمأنينة :
مخ ۲۴