وطئ الخليل أرض مصر فوجد فيها ظالما ، كما ترك في أرض بابل الملك الظالم نمرود ، وقد شاء الله أن يطوي الخليل تلك الأيام في أرض النيل بعيدا عن أذى الطاغوت ، ثم يعود هو وسارة ومعهما جارية مصرية اسمها هاجر ، تملكها سارة ، ويعودون إلى الارض المباركة ويحطون رحالهم في الشام من جديد ، ويسكن هذه المرة في (بلدة السبع) (7) في فلسطين ، ويسرج مشعل النور ، ويرفع صوت التوحيد ، فيبني مسجدا للذكر والدعوة والعبادة هناك ، واتخذ فيها بئرا معينا للخصب والطهارة والحياة ، إلا أن أهل هذه البلدة لم يعرفوا قدر إبراهيم ، ولم يشكروا نعمة وجوده فيهم ، فآذوه وضيقوا عليه ، فتركهم ورحل ، ورحلت البركات وجفت البئر ، وواصل إبراهيم مسيره حتى وصل بلدة (القط أو القط) بين الرملة وإيليا في الشام ، ويعيش مع سارة وهاجر في بيت واحد .
وكان الشيب قد دب إلى إبراهيم ، وزحفت الشيخوخة نحو زوجه سارة ، وينظران في أرجاء البيت فيرانه أقفر مجدبا من زهرات العمر وابتسامات الطفولة .
ويقع في نفس سارة ما خط في لوح القدر ، فتعرض جاريتها وتهبها لسيدها إبراهيم ، عل الله أن يهب منها ذرية النبوة ، ويغمر أجواء البيت ببراءة الطفولة وحنان الابوة الرطيب ، فيتزوجها إبراهيم، والأمل الكبير يملأ قلبه ويراود نفسه ، الذرية الصالحة ، التي تحمل مشعل التوحيد ، وترفع راية الإسلام لله الواحد القهار ، فتزوج الخليل هاجر ، وهو يضرع إلى الله سبحانه وتعالى يرفع يديه بقلب خاشع ، ونفس مشوقة إلى الولد والذرية الصالحة التي تعمر الأرض بالتسبيح ، وتحييها بالتقديس والصلاح : (رب هب لي من الصالحين ). ( الصافات / 100 )
ويستجيب الله دعاءه ويهب له إسماعيل ، فيبشر بغلام حليم ، يحمل صفة أبيه ويكتسب منه فضيلة الحلم ، فيصفه القرآن بقوله : (وبشرناه بغلام حليم ). ( الصافات / 101 ) كما وصف أباه من قبل : (إن إبراهيم لحليم أواه منيب ). ( هود / 75 )
مخ ۱۷