(إني مهاجر إلى ربي ). ( العنكبوت / 26 ) هاجر الخليل أول ما هاجر إلى اور (6) ثم استقر فيها زمنا ، فلم ضالته، ولم يكن بإمكان يجد هذه البلدة أن تستوعب دعوته، وتتقبل رسالته.. فهجرها واتجه إلى فلسطين ، هو والذين آمنوا معه ، فصحبته سارة زوجته وابنة عمه وابنة خالته ، فتعلقت به رفيقة درب وشريكة مسير، وانضم إلى الرسول المهاجر لوط النبي ابن أخيه وزوجته . اتجه الجمع وراح يغذ السير ويقطع الفيافي والقفار عبر صحراء العراق متجها إلى أرض الشام ، أرض كنعان (فلسطين) الحبيبة ، فاستقر النبي فيها ، وحط رحاله هناك ليبدأ الفصل الجديد ، وليصنع أغنى فصول التاريخ في حياة الإنسان .
وبدأ الفصل الجديد ، بدأ في أرض فلسطين ، كفاح وهجرة وجدب ومعاناة ، فليست الهجرة إلا الهجر والمعاناة والاختبار ، وليست هي إلا التربية والاعداد والبناء الإنساني الذي يفك فيها الإنسان ارتباطه من الأهل والأحبة والوطن ، ويحكم علاقته وتعلقه بالله سبحانه ، فهي ليست التغرب وقطع المسافات ، والغياب عن الدار والبعد عن الأحبة وحسب ، ولكنها هجرة الروح والعقل والمشاعر .
فأبو الأنبياء طوى فيافي الارض ، وهجر أرض بابل ، ولم يصحبه من الاهل إلا سارة المؤمنة المهاجرة ، فكانت أول النساء المؤمنات افتتاحا لدرب الهجرة ، فما كان الخليل ملوما بحبه لها وتعلقه بها ، فهي ابنة عمه وبنت خالته ورفيقة جهاده وصاحبة هجرته .
استقر الخليل في أرض كنعان وشاء الله أن تمنع السماء قطرها وأن تجدب أرض كنعان ، فيتوارى من أرضها الخصب والرواء ، فيواصل الخليل الرحلة باتجاه مصر.. واصلها ليقطع الدرب الطويل ، فهو والقدر الموعود . ام إسماعيل، هاجر، على لقاء قد خط في لوح القدر ، واحتجب في ضمير الغيب .
مخ ۱۶