إلى أن قال: إن المنافسة والحسد لا شأن لهما في هذا الزواج من ثنتين، فأكثر أوهامنا الأوربية تقنعنا، ولا شك، بأنه من المتعذر أن تكون الحال كذلك، ولا نستحسن هذا؛ لأننا نراه من المستحيل، وما ذلك إلا لأننا نعقل أبدا بعواطفنا، ولا نحاول أن نتمثل عواطف غيرنا، وفي بضعة أجيال تزول أو تقوم بعض الأوهام، فعلينا أن ندرك كم تغير رأينا في هذا الموضوع، عندما رجعنا إلى العصور الابتدائية للمجتمعات، وقد كانت فيها النساء مشتركات بين أفراد القبيلة الواحدة، أو إلى العصور الأقرب منها وإلى أيامنا، حيث نجد هذه الأخلاق محفوظة في بعض أنحاء الهند، يكون للمرأة الواحدة عدة أزواج من أسرة واحدة، قال: ولم يقتصر الإسلام على الاحتفاظ بالضر الذي كان شائعا عند العرب، بل أثر تأثيرا حسنا في حالة المرأة ورفع من شأنها، وحسن من حالتها الاجتماعية، فقد رأينا القرآن رفع مقام المرأة أكثر من كثير من قوانيننا الأوربية، وخير طريقة لنقدر قدر التأثير الذي أحدثه الإسلام في تحسين حالة المرأة في الشرق، أن نبحث عما كانت عليه حالها قبل القرآن.»
ثم أورد من الكتاب العزيز الآيات الآمرة بالتوصية بالمرأة وتوسع في بحث أخلاق المسلمين، وفي أن تعدد الزوجات والاعتقاد بالقضاء والقدر لم يكونا السبب في تأخرهم، فقال: إذا أريد البحث في أخلاق أمة لا يكتفى بالبحث في دينها فقط؛ لأن تعاليم الأديان كلها طيبة من حيث الأخلاق، ولو طبقت بحذافيرها لانبسط على الأرض ظل العصر الذهبي، والطريقة المتبعة في مبادئ الأديان تختلف بحسب المحيط والعصر والعنصر وبأسباب أخرى كثيرة؛ ولذلك كانت الشعوب المختلفة وهي تدين بدين واحد، ذات أخلاق متغايرة على الغالب، وهذا ما ينطبق على جميع الأديان المعروفة، ومنها دين المسلمين، فإن قواعد القرآن في الأخلاق تامة، ولكن تأثيرها مختلف بحسب العناصر والبيئات والأجيال. ولقد كانت أخلاق العرب في أوائل الإسلام أرقى من جميع الشعوب التي كانت تعيش لذاك العهد ولا سيما النصارى؛ وما ذلك إلا لأن عدلهم واعتدالهم ورفقهم وسماحتهم مع الأمم المغلوبة، وحرصهم على مراعاة عهودهم، وما امتازوا به من الأخلاق العالية، كل ذلك كان مما يتجلى في صورة مدهشة تناقض سيرة الأمم الأخرى، ولا سيما الأوروبيون على عهد الحروب الصليبية.
قال: وإذا أردنا أن ننسب إلى الدين التأثير الذي ينسبونه إليه في العادة، وجب علينا أن نقول: إن أدب القرآن كان أرقى من أدب الإنجيل؛ لأن من دانوا بالإسلام من الشعوب كانوا أعلى أدبا من النصارى، وأدب المسلمين مختلف اختلاف أدب النصارى بحسب العوامل الكثيرة التي عددناها: كان عاليا كثيرا في بعض العصور، ومنحطا للغاية في الأخرى، إن طول عهد الأتراك وما حملوه إلى الناس من أحكامهم السياسية قد حط من أخلاق الشرقيين الذين خضعوا لهم، وكانت أهواء الرؤساء والمرءوسين القانون الوحيد في كل بلد حلوه، والمرء عرضة لجور صغار الظالمين ممن لا يطمعون إلا بأن يغتنوا باستلاب الناس، لا عدل يرجى، ولا شيء ينال بغير الرشوة والمال، فالأخلاق الحاضرة في الشرقيين، ممن قدر لهم أن يخضعوا لحكم تركيا هي بالضرورة منحطة، والقرآن بعيد عن هذا الانحطاط، كما أن الإنجيل غير مسئول عن الانحطاط المماثل له الذي صارت إليه الشعوب النصرانية العائشة في ظل ذاك الحكم أيضا، ومما تقدم يتجلى فساد الرأي الشائع في أوروبا من أن دين محمد أدى ببعض الشعوب الشرقية إلى هذه الدرجة من الانحطاط في الأخلاق التي تحلوا بها، ومثل هذا الرأي هو نتيجة تلك السلسلة من الأوهام، ومنها أن القرآن قال بتعدد الزوجات، وأن الاعتقاد بالقضاء والقدر الذي هو من أحكامه يؤدي بالناس إلى الخمول، وأن محمدا لم يطلب ممن يدينون بدينه إلا القيام بفروض سهلة على الاستعمال، وهذا من الأغلاط التي تسقط بالبداهة، فقد رأينا تعدد الزوجات شائعا في جميع الشرق قبل بعثة محمد بقرون، وأن القرآن لا يدعو إلى الاعتقاد بالقضاء والقدر أكثر من الكتب الدينية الأخرى، واعتقاد العرب بهذا لم ينزع من نفوسهم حب العمل، فقد رأيناهم أنشأوا مملكة عظمى، وأحكام القرآن في الأخلاق هي في الذروة العليا كسائر الكتب الدينية.
قال: وإذا ثبت أن القرآن هو الذي أخر المسلمين في الشرق، فعلينا أن نثبت أنه كان على الشرقيين الذين لا يقولون بتعدد الزوجات، ولا بالقضاء والقدر كالنصارى في سورية مثلا أن ينجوا من هذا الانحطاط، على أنني لا أعرف مؤلفا درس الشرق قليلا، إلا وهو مضطر إلى الاعتراف بأن النصارى في الشام هم أحط أخلاقا من المسلمين. وبعد، فقد آن لنا أن نقول: إن أدب القرآن هو مثل أدب غيره من الأديان، وإن الشعوب الخاضعة لسلطانه قد اختلفت أخلاقهم كل الاختلاف، مثل الشعوب الخاضعة لشريعة المسيح، بحسب العصور والعناصر، وكانوا عرضة لعوامل ما كانت فيها قواعد الدين هي العامل الأكبر، وأهم ما يستنتج مما تقدم أن التأثير العظيم الذي أثره القرآن في الشعوب الخاضعة لأوامره، قلما أثره دين في نفوس منتحليه، وربما لم يكن لدين من تأثير دائم كما كان للقرآن، وما القرآن إلا القطب الحقيقي الذي تدور عليه الحياة في الشرق، ونرى تأثيره في عامة أعمال الحياة. ا.ه.
الحجاب
ربما كانت أهم مسألة يحمل بها اليوم على الإسلام شيوع الحجاب في المسلمات عند سكان بعض المدن الإسلامية، ويدعي الشعوبيون المحدثون أن الضعف المستولي على بعض الممالك أتى من تحجب المسلمات؛ لصده لهن عن مشاركة الرجال في مضمار الحياة العقلية والمادية، وأن الحجاب أهاب بهن إلى حياة الكسل، وحبب إليهن البهيمية، فانحطت البيوت، وفقدت العناية بتربية البنين والبنات، وهكذا تسلسل الانحطاط في أهل الإسلام بهذا السبب الذي جعل المرأة أداة عبث ولهو للرجل، على حين خولتها الطبيعة حقوقا حال الحجاب دون التمتع بها، وضيقت الشريعة خناقها فتعطل نصف الأمة عن الجهاد في المجتمع.
هذه خلاصة دعواهم ، وقد وضع القرآن قانونا للنساء في الآداب والحشمة والابتعاد عن التبذل والتبرج إلى غير ذلك مما فيه سعادة البيوت وهناؤها، والبعد بالمؤمنين والمؤمنات عن عادات الجاهلية الأولى، وسن لنساء الرسول خاصة سنة التستر حتى لا يؤذين، ولا يدخل عليهن وعلى الرسول بدون استئذان، على ما كانت عادة العرب بل الأعراب يأتون ذلك بخشونة يأباها العقل السليم، وتقضي بخلافها قواعد حسن العشرة في المجتمع الجديد:
يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون * فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم * ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم والله يعلم ما تبدون وما تكتمون ،
يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما .
33
ناپیژندل شوی مخ