2
وفاته أن من دخلوا في الإسلام من الفرس والقبط والسريان والروم وغيرهم درسوا في مدرسة العرب وأخذوا لغتهم وثقافتهم ودينهم وعاداتهم، وإذا كان ابن سينا والغزالي والبيروني والرازي مثلا أعاجم بأصولهم، فهم عرب بتربيتهم وثقافتهم، وإذا كان الجاحظ وابن رشد وابن زهر وابن خلدون، عربا بأصولهم وثقافتهم، فهم لا يزيدون شيئا عمن تقدم ذكرهم في الغناء والمنزلة ولا ينقصون، وما كان لجزيرة العرب وهي القليلة بسكانها الذين قام منهم أعظم الفاتحين وحملة الشريعة، أن يخرج منها كل هؤلاء الرجال الذين فتحوا فتوحا تحتاج إدارتها فقط إلى عشرات الألوف من الناس، فما بالك بالعلوم اللازمة لها؛ ولذلك انصرف العرب وهم أهل الدولة إلى سياسة الملك، وعاونهم الأعاجم في نشر علمهم وثقافتهم .
وليس في أهل الغرب اليوم أمة خالصة بعنصرها؛ فعند الفرنسيس من هم من أصل بولوني وإيطالي وإنجليزي وألماني خلا ما هناك من عناصر أصلية والعكس بالعكس عند كل أمة، والإنسان ابن تربيته ومحيطه على الدوام، قال أحد المفكرين من الفرنسيس: نحن مدينون بجزء عظيم من تاريخنا وآدابنا وفنوننا لمن كانوا غرباء عنا، وليسوا في الأصل من عنصرنا، ألا تعرفون أن شينه الشاعر هو رومي الأصل، وأن رونسار الشاعر مجري، وأن بول فاليري الشاعر إيطالي مثل ميرابو وغاليني، وكذلك سائر رجال قرسقة من نابليون فنازلا. وكذلك الإسرائيليون أمثال برجسون الفيلسوف وتريستان برنار ليسوا في الأصل من الفرنسيس، وهنري هين الشاعر هو ألماني يهودي، وإذا توسعنا قليلا طالبنا بملك إيطاليا؛ لأنه من أسرة سافوا الفرنسية. ا.ه.
ويحمد صاحب كتاب المفكرين في الإسلام لتصوره، وإن بعد قليلا عن الجادة، لا كالذي عمم ولم يخصص، وتجرد عن كل منطق يوم قال:
3 «إن الإسلام لم يكن شعلة بل كان مطفأة نشأ من قلب بربري لشعب بربري، فكان ولا يزال عاجزا عن احتذاء التمدن، وأنه حال في كل مكان ارتفع فيه سلطانه دون السير نحو الارتقاء، وخنق نشوء المجتمع الإنساني.» وأي غباء ممزوج بسماجة، وأي رفاعة معمولة بقحة، أعظم من هذا الكلام، وما أدري كيف يستطيع هذا المتمدن أن ينكر أن عقل ذاك البربري قلب كيان العالم، فعد بعمله العظيم أعظم رجل عرفه التاريخ، وأن شعبه البربري قام بحضارة وفتوح حسدته عليها أمم كثيرة، وغبطه على ما صار إليه أوسع الباحثين عقلا وعلما.
كلام لعلماء إفرنسيين وإيطاليين وبريطانيين وروسيين
يقول لبون: «قد يكون من الأوروبيين مستعمرون
4
ماهرون، ولكن منذ عهد رومية كان المسلمون من الشعوب الوحيدة التي كانت حاملة علم التمدن حقيقة، وهم الذين فازوا وحدهم بنشر المواد الجوهرية من المدنية، وأعني بها الدين والمصانع والصنائع بين ظهري عناصر جديدة من غير عنصرهم.» وتساءل لبون أيضا قائلا: «هل من الواجب أن نذكر أن العرب، والعرب وحدهم، هم الذين هدونا إلى العالم اليوناني واللاتيني، وأن الجامعات الأوربية، ومنها جامعة باريز ، عاشت مدة ستمائة سنة من مترجمات كتبهم، وجرت على أساليبهم في البحث، وكانت المدنية العربية من أدهش ما عرف التاريخ؟» وقال لبون أيضا: «كلما تعمق المرء في دراسة المدنية العربية، تجلت له أمور جديدة، واتسعت الآفاق أمامه، وثبت له أن القرون الوسطى لم تعرف الأمم القديمة إلا بواسطة العرب، وأن جامعات الغرب عاشت خمسمائة سنة بكتب العرب خاصة، وأن العرب هم الذين مدنوا أوروبا في المادة والعقل والخلق، ومتى درس المرء ما عمل العرب وما كشفوه في العلم يثبت له أنه ما من أمة أنتجت مثل ما أنتجوا، في هذه المدة القصيرة التي كتب لملكهم قضاؤها، وإذا نظر المرء في صنائعهم وفنونهم لا يسعه إلا الاعتراف بأنه كان لهم ميزة خاصة لم تبلغها أمة، ولئن كان تأثير العرب في الغرب عظيما فإن تأثيرهم في الشرق أعظم، وما من عنصر أثر مثل تأثيره قط، فإن الشعوب التي دانت الأرض لسلطانهم كالأشوريين والفرس والمصريين واليونان والرومان قد عفت القرون آثارهم، ولم يخلفوا سوى آثار ضئيلة، بحيث لم يبق سوى ذكريات أديانهم وألسنتهم وفنونهم، وقد اضمحل أمر العرب أيضا، ولكن أهم عناصر مدنيتهم وهي الدين واللسان والصنائع لا تزال حية.» وقال أيضا: «إن العرب أول من علم العالم كيف تتفق حرية الفكر مع استقامة الدين.» وقال كارلايل في العرب: «قوم يضربون في الصحراء كانوا نكرة عدة قرون، فلما جاء النبي العربي أصبحوا قبلة الأنظار في العلوم والمعارف، وكثروا به وعزوا، ولم يأت عليهم قرن حتى استضاءت أطراف الأرض بعقولهم وعلومهم.»
هذا هو الإسلام الذي خنق المجتمع البشري، وفلج المدنية في كل مكان، وخلقه قلب متوحش لشعب متوحش، وهذا ما عمله، وقد نصح بوترولون
ناپیژندل شوی مخ