25
إنما يتكلمون على لغة النازلة فيهم من العرب»؛ ولذلك كان هذا الاختلاف في ألفاظ أهل الأمصار، وليست كثرة اللهجات بضارة كثيرا ما دام المعول على الفصحى، والعامية تقرب كل يوم خطوة منها، والضار شيوع الأمية في الأمة العربية، واللغة كما قال ابن حزم: تتبدل بتبدل مساكن أهلها؛ فإنه بمجاورة أهل البلدة الأخرى تتبدل لغتها تبدلا لا يخفى على من تأمله، فتتبدل ألفاظ الناس على طول الأزمان، واختلاف البلدان، ومجاورة الأمم، وإن كانوا يتكلمون في الأصل لغة واحدة. ومثل هذا رأي الثعالبي
26
في أن شعراء عرب الشام وما يقاربها أشعر من شعراء عرب العراق وما يجاورها في الجاهلية والإسلام، والسبب في تبريز الشاميين قديما وحديثا على من سواهم في الشعر، قربهم من خطط العرب ولا سيما أهل الحجاز؛ وبعدهم عن بلاد العجم، وسلامة ألسنتهم من الفساد العارض لألسنة أهل العراق بمجاورة الفرس والنبط ومداخلتهم إياهم، قال: إن شعراء الشام جمعوا بين فصاحة البداوة وحلاوة الحضارة.
ونحن اليوم لا نعلم الزمن الذي اضمحلت فيه اللغة الفصحى من الأفواه، ولكننا على يقين من أن هذا اللسان بقي محروسا
27
لم يتداخله الخلل إلى أن فتحت الأمصار وخالط العرب غير جنسهم والفرس والحبش والنبط وغيرهم من الأمم، فاختلطت الفرق وامتزجت الألسن وتداخلت اللغات، وما انقضى عصر التابعين إلا واللسان العربي قد استحال أعجميا أو كاد، وقد قال عمارة اليمني
28
من أهل المائة السادسة: إن الزراب، وهي الناحية الشرقية من المخلاف السليماني في اليمن، ما زال أهلها إلى عصره باقين على اللغة العربية من الجاهلية لم تتغير لغتهم؛ وذلك لأنهم لم يختلطوا قط بأحد من أهل الحاضرة في مناكحة ولا مساكنة، وهم أهل قرار لا يظعنون منه. وقال ياقوت: إن جبلي عكاد فوق مدينة الزرائب باليمن كان سكانه إلى القرن السابع باقين على اللغة العربية من الجاهلية لم تتغير لغتهم بحكم أنهم لم يختلطوا بغيرهم من الحاضرة. ويقول الرحالة بروكهارت: إن في اللغة العربية المحكية عدة لهجات مختلفة كل الاختلاف، وربما كان هذا الاختلاف مما يوجد من نوعه في لغات أخرى، وعلى الرغم من سعة البلاد التي يتخاطبون بها، أي من موغادور إلى مسقط، فإن كل من حذق لهجة واحدة يتيسر له أن يفهم جميع اللهجات، وقد يمكن أن يكون عرا التلفظ شيء من التأثير نشأ من طبيعة البلاد المختلفة، واحتفظت العربية بعذوبتها في أودية مصر والعراق، وغدت قاسية في البلاد الباردة من أرض البربر والشام، قال: وبقدر ما يصل إليه علمي، فإن الاختلاف شديد بين اللهجة المغربية في مراكش والبدوية في الحجاز على مقربة من مكة ولكن لهجاتهم الخاصة لا تخالف بينها، إلا كما تتخالف الألمانية التي يتكلمها فلاح من بلاد سواب وآخر من سكسونيا.
حال الغرب في شباب الإسلام
ناپیژندل شوی مخ