بين الأسدين فارس والروم، ألا والله ما في بلادهم يومئذ من شيء يحسدون عليه، من عاش منهم عاش شقيا، ومن مات ردى في النار، يؤكلون ولا يأكلون، والله ما نعلم قبيلا يومئذ من حاضر الأرض كانوا فيها أصغر حظا وأدق شأنا منهم، حتى جاء الله عز وجل بالإسلام فورثكم به الكتاب وأحل لكم به دار الحباء، ووضع لكم به من الرزق، وجعلكم به ملوكا على رقاب الناس، وبالإسلام أعطى الله ما رأيتم، فاشكروا نعمه فإنه ربكم منعم يحب الشاكرين.
ثروة العرب وعلومهم
غنى بعض الصحابة في الجاهلية والإسلام
لم يكن العرب كلهم بادية لا يذوقون طعم الحياة، ولا يحسنون شيئا من مقوماتها، بل كان بعضهم على شيء من الثروة، والثروة أم الرفاهية والنعيم؛ كان عمرو بن لحي ذا مال جزيل جدا، يقال: إنه فقأ
1
أعين عشرين بعيرا إشارة إلى أنه ملك عشرين ألف بعير، وكان من عادة العرب أن من ملك ألف بعير فقأ عين واحد منها؛ لأنه يدفع بذلك العين عنها، وذكر السهيلي أن عمرو بن لحي ربما ذبح أيام الحجيج عشرة آلاف بدنة، وكسى عشرة آلاف حلة في كل سنة يطعم العرب ويحيس لهم الحيس بالسمن والعسل ويلت لهم السويق.
وكان المخضرمون من العرب، أي الذين مضى نصف أعمارهم في الجاهلية ونصفها في الإسلام، ولا سيما غطاريفهم وأهل البيوتات منهم، على جانب من السعة في الرزق، ينعمون به ويفضلون من حر مالهم على الناس بهذا السخاء الذي لم يعهد لأمة أن دانتهم فيه، ومنهم من صرف ماله في الإسلام طائعا مختارا كأبي بكر الصديق،
2
ولما بعث النبي كان عنده أربعون ألف درهم، فكان ينفق منها ويقوي المسلمين، وقد أنفق في تجهيز جيش العسرة سنة تسع من الهجرة مالا كثيرا، قالوا: إنه عشرة آلاف دينار، وفي هذه الغزوة أنفق عثمان بن عفان نفقة عظيمة، وكان يعد في الجاهلية من الأغنياء، فجهز الجيش بتسعمائة وخمسين بعيرا بأقتابها، وأتمها ألفا بخمسين فرسا، وأعطى ألف دينار، وفي أيام خلافته كثرت الأموال بالمدينة، وكثر مال عثمان حتى كان له ألف مملوك، ولم يخلط من أموال المسلمين وأخماس الغنائم في ماله شيئا قط، واستغنى عمر بن الخطاب في الجاهلية في مدينة غزة هاشم، وكان متجرا لأهل الحجاز. وكانت خديجة زوجة الرسول الأولى، ذات مال كثير وتجارة، تبعث إلى الشام فيكون عيرها كعامة عير قريش، وكانت تستأجر الرجال وتدفع المال مضاربة، وكان أبو سفيان بن حرب شيخ تجار مكة معدودا في الموسرين قبل الإسلام؛ يجهز التجار بماله وأموال قريش إلى الشام وغيرها من أرض العجم، وكان يخرج أحيانا بنفسه، وله صلات مع بلاد الروم والعجم وله تجارات وأموال، وكانت له في البلقاء من أرض الشام قرية اسمها نقنس، وكان يوم بدر مقبلا من الشام
3
ناپیژندل شوی مخ