اسلام شريکان
الإسلام شريكا: دراسات عن الإسلام والمسلمين
ژانرونه
هكذا واجه الإسلام تحديا تاريخيا كبيرا بالمعنى الذي قصده توينبي،
4
فانتصاراته العسكرية المذهلة على الدولتين العالميتين المتفوقتين عليه في المدنية والقوة، وهما بيزنطة وفارس، يمكن تفسيرها من خلال الظروف المواتية آنذاك، ولم تكن هاتان الدولتان قد استهلكت قواهما في الحرب المدمرة بينهما فحسب، بل كانت عوامل الضعف بسبب الصعوبات والمشكلات الداخلية قد دبت فيهما.
5
والأهم من ذلك أن سكان الأقاليم والولايات التي بدأ المسلمون بالزحف عليها، لم يكونوا يحسون بأي ولاء تجاه الحكومات المحلية للدولتين الكبيرتين. فالجماعات المسيحية في سوريا ومصر كان ينظر إليها من جانب الكنيسة الرسمية في بيزنطة على اعتبار أنها جماعات ملحدة أو آبقة، كما كانت تتعرض للقمع والاضطهاد. وسكان سوريا والعراق كانوا يشعرون، من خلال لغتهم الآرامية السامية، بأنهم أقرب إلى العرب منهم إلى الإغريق والفرس. ولهذا لم تستطع الدولتان القديمتان الاعتماد على قواتهما المحلية في حربهما مع الجيوش الإسلامية، كما أن السكان نظروا في أكثر الأحيان إلى المسلمين نظرتهم إلى المحررين لهم من قهر السلطة الكريهة التي كانت تحكمهم.
لو كان المسلمون اقتصروا على إحلال حكم عربي أجنبي محل حكم بيزنطي وفارسي لظل انتصارهم العظيم بالتأكيد محدودا وقصير الأجل. ولكن في اللحظة نفسها التي تخطى فيها الإسلام حدود شبه الجزيرة العربية نشأ وضع حاسم تمت فيه الغلبة منذ ذلك الحين للعناصر العالمية على العناصر العربية والقومية، وكانت الإجابة عن مشكلة التحدي التاريخي تتلخص في إيجاد مجتمع جديد وحضارة جديدة لا يقتصران على عرب شبه الجزيرة، بل يشملان شعوبا وحضارات أخرى. ومن الطبيعي أن الطريق المؤدي لتحقيق هذا الهدف لم يكن منذ البداية واضح المعالم. فقد ظلت المصلحة القومية العربية، التي كان لها دور حاسم في تحقيق التوسع الإسلامي، قوة مؤثرة دخل معها مبدأ عالمية الإسلام في صراع مستمر، وبين التطور التاريخي اللاحق أن المستقبل قد أثبت صدق هذا المبدأ، وذلك إلى أن ظهر وضع جديد مع ظهور القومية العربية في العصر الحديث.
بعد القضاء على حركات الردة وانتشار الإسلام في شبه الجزيرة العربية بأكملها، بدا الأمر وكأن الدين الجديد قد أصبح هو والعروبة شيئا واحدا.
6
وقد عمل على تأكيد هذا أن عمر، رضي الله عنه، أبعد الجماعات غير الإسلامية عن شبه الجزيرة العربية، وهي الجماعات التي كان النبي، عليه السلام، قد أقر صراحة بوجودها. كان النبي قد دخل في صراع مع اليهود بعد أن أخلفوا وعدهم بالاعتراف بنبوته، وكان قد طردهم من المدينة، واحتل مساكنهم في بعض الواحات وصادر أراضيهم، ولكنه تركهم يعيشون في أراضيهم القديمة ليزرعوها ويعطوا المسلمين نصف المحصول. أما عمر فأمر بتهجيرهم إلى سوريا. وكانت تعيش في نجران التي تقع إلى الجنوب من بلاد العرب جماعة مسيحية كبيرة أعلنت خضوعها للنبي وعقدت معه معاهدة تضمن لها حماية استقلالها وأملاكها في مقابل دفع الجزية وتقديم المساعدة في وقت الحرب. ولكن عمر أمر بتهجير هذه الجماعة أيضا إلى العراق وسوريا. والأخبار التي وصلتنا عن هذا الموضوع توحي بأن المؤرخين الذين جاءت هذه الأخبار على لسانهم لم يكونوا مستريحين لمخالفة عمر للقرارات الواضحة التي اتخذها النبي، عليه السلام، بشأن هذه الجماعات من «أهل الكتاب». ومن الواضح أن اهتمام عمر كان موجها قبل كل شيء نحو حماية وتأمين وحدة بلاد العرب الدينية والسياسية التي تم التوصل إليها بعد جهود مضنية، والتي كانت في نظره هي الشرط الأساسي لوجود الإسلام، وذلك عن طريق استبعاد العناصر الدخيلة بشكل نهائي.
والواقع أنه لم يكن هناك أي وجود لسياسة كسب أنصار جدد للإسلام. فقد تم تهجير اليهود والمسيحيين الذين كانوا يعيشون في بلاد العرب، ولكنهم لم يكرهوا أبدا على الدخول في الإسلام، لقد كان من الممكن الترحيب بدخولهم فيه طواعية، كما حدث في بعض الحالات التي بلغتنا أخبارها، ولكن إكراههم على ذلك كان أمرا مستبعدا تماما، وأما عن الكفار فكان فرض الإسلام عليهم يعتبر أمرا واجبا، وإذا كان ذلك لم يتبع بوضوح في عهد الرسول، فقد أصبح هو القاعدة منذ حروب الردة. ذلك أن الإسلام دخل منذ بدايته في صراع مع الكفار العرب، أما اليهود والمسيحيون فقد شعر النبي على الدوام بالعلاقة الوثيقة التي تربطه بهم، وذلك من خلال وحدة الوحي الإلهي التي يشاركون فيها. لقد كانوا من «أهل الكتاب»، أي أصحاب كتب منزلة، كما كانوا موحدين مثل المسلمين. وقد أضيفت إلى ذلك مع مرور الزمن اعتبارات سياسية عملية؛ فلما تبين أن أي محاولة لإكراه الزرادشتيين في الدولة الفارسية على الدخول في الإسلام ستكون عقيمة، شأنها في ذلك شأن أي محاولة مع المسيحيين في الدولة البيزنطية، فقد وضع الزرادشتيون - مع الاستشهاد بالنبي ولكن عمليا منذ عهد عمر - على قدم المساواة مع «أهل الكتاب» (وكذلك مع مشركي الهند في مرحلة لاحقة).
ناپیژندل شوی مخ