اسلام شريکان
الإسلام شريكا: دراسات عن الإسلام والمسلمين
ژانرونه
كان عمر بن الخطاب بن نوفل ينتمي إلى نفس القبيلة التي ينتمي إليها النبي، عليه السلام، وهي قريش وإن لم يكن من ذوي قرباه. وقد كان واحدا من زعماء عشيرة «عدي»، كما كان يشارك مثل الكثيرين من أثرياء مكة في تجارة القوافل مع سوريا. ولم يكن عمر من أوائل المؤمنين بالإسلام، بل يقال إنه ساهم فترة غير قصيرة في اضطهادهم. ولما دخل الرجل المرموق في الإسلام - وكان ذلك قبل الهجرة بسنوات قليلة - كان ذلك كسبا كبيرا للجماعة الإسلامية الصغيرة ودفعة قوية لها. كانت قوته الجسدية وقوامه الطويل الفارع تظهرانه في صورة المحارب المهاب. وقد شارك بالفعل في بعض المعارك الإسلامية المبكرة، ولكن دوره الرئيسي يقوم على كونه هو الصحابي المقرب من الرسول، عليه السلام، وموضع مشورته، ومع ذلك فقد تقدم عليه - وفاقه في الاضطلاع بهذا الدور - أبو بكر الصديق الذي نشأ في الظروف نفسها، كما كان أكبر منه سنا وأسبق منه في الدخول في الإسلام. وقد اتخذ النبي، عليه السلام، من بنتيهما زوجين له.
ومما يشهد على قدرة النبي، عليه السلام، على القيادة وموهبته الفذة فيها، كما يدل كذلك على الخلق الرفيع لأبي بكر وعمر، أنه لم يقم بينهما أبدا أي نوع من المنافسة، وبعد تولي أبي بكر أمر الخلافة، استمرت الصلة الوثيقة بينه وبين عمر الذي كان له حتى في ذلك الوقت - بفضل شخصيته القوية - تأثير كبير في تدبير شئون الدولة. وربما يكون هذا الرجل العنيف، الذي لم يخل في بعض الأحيان من فظاظة، قد تعلم الكثير من أبي بكر الأهدأ منه طبعا والأكثر حكمة. وليس من شك في أن الاثنين كانا هما الخلفين الطبيعيين للنبي، عليه السلام، كما كانا أفضل وأقدر من كل منافسيهما على تسيير شئون الجماعة الإسلامية على نفس الطريق وبالمعنى نفسه الذي أراده الرسول.
لم يستطع القرار السريع الناجح - في حسم موضوع الخلافة بعد وفاة النبي - أن يحل جميع مشكلات الجماعة الإسلامية؛ كانت أكثر القبائل العربية، في العامين الأخيرين من حياة النبي، عليه السلام، قد اعترفت اعترافا كليا أو جزئيا بنبوته وقيادته وانضمت إلى صفوف الدولة الإسلامية. ولكن الالتزامات والواجبات التي ترتبت على ذلك، من تنفيذ للأوامر وتحمل للنفقات، بدت للكثيرين بمنزلة عبء ثقيل الوطأة عليهم. فلما انتقل محمد إلى الرفيق الأعلى، انتهز عدد من القبائل الفرصة للخروج على الإسلام، وقامت سلسلة من حركات الردة تحت قيادة بعض «الأنبياء» الكذابين. وقد زخرت الفترة القصيرة لحكم أبي بكر (من 632 إلى 634م) بالجهود الشاقة التي استهدفت سحق هذه الحركات والقضاء على مدبريها. ولم يتطلب ذلك قوة عسكرية متفوقة فحسب، وإنما تطلب كذلك حنكة دبلوماسية عظيمة؛ إذ كان من أهم الأمور ألا تدفع القبائل للسير في طريق العداوة الأبدية، بل أن تعود مرة أخرى - أو لأول مرة - إلى الإسلام، وقد نجح كل من أبي بكر وعمر في ذلك نجاحا رائعا.
وعلى المدى الطويل أصبح من الأمور الضرورية، لإدماج القبائل في صفوف الجماعة الإسلامية، أن تلبى مطالبها، وتروض طاقاتها، وقد تم هذا بالفعل عن طريق الفتوح الإسلامية التي بدأت في ذلك الحين. والواقع أن عقيدة التوحيد لا ترتبط بالضرورة بالطموح الديني العالمي، ويتضح هذا في الديانة اليهودية التي اتسمت بصفة دائمة بالتوتر والصراع بين المبدأ العالمي ل «إله السماء والأرض» وبين المبدأ الخاص بالديانة الشعبية «إله إسرائيل». ونحن نجد في الإسلام عناصر من كلا المبدأين. فمن ناحية أرسل الله محمدا، عليه السلام، إلى البشر كافة
وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين (الأنبياء: 107)، كما أنه عليه السلام هو خاتم الأنبياء الذين أرسلهم الله سبحانه بوحي إلهي موحد، وفي الحالين تتضح عالمية الرسالة المحمدية. ومن ناحية أخرى لا نجد أبدا في الإسلام أي ذكر ل «إله عربي» أو «إله للعرب». ولكن القرآن الكريم هو الوحي الإلهي الذي أنزله الله باللغة العربية:
إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون (يوسف: 2)، كما أن محمدا، عليه الصلاة والسلام، قد اتجه بطبيعة الحال برسالته إلى شعبه.
إذا كان التوسع العربي-الإسلامي قد بدأ بعد وفاة الرسول وزلزل الأرض كلها، فقد كان أهم الدوافع لذلك هو الشعور بالتفوق والوعي بالرسالة اللذين استمدهما العرب من الديانة الجديدة، كما استمدوا منها القوة والقدرة على التنظيم. وينبغي مع ذلك ألا نغفل عن أن قسما من الجيوش الإسلامية لم يحركها الإيمان وحده، بل كذلك الرغبة في الحصول على الغنائم. لقد عرفت القبائل العربية منذ القدم الحروب المستمرة في سبيل المرعى الشحيح، وملأت هذه الحروب حياة الرجال وحدت من النمو السكاني. فلما أراد الإسلام أن يجمع هذه القبائل في دولة واحدة، وجد نفسه مضطرا لإنهاء الحروب المشتعلة بينها وإقامة «سلام إسلامي»
3
تستظل بظله. بذلك نشأت الحاجة الملحة لإيجاد عمل جديد يشغل المحاربين من رجال القبائل، والاهتمام بتوفير الغذاء الكافي للعدد المتزايد من سكان شبه الجزيرة العربية. وكان أبسط حل لهذه المشكلة هو فتح بلاد أخرى عن طريق الحرب.
ربما يكون محمد، عليه الصلاة والسلام، قد سبق إلى التفكير بهذا المنطق. فقد بدأ سياسة التوسع نحو الشمال - أي في المنطقة التي تقع تحت نفوذ الدولة البيزنطية - قبل فتح مكة بقليل. وقد مني بالفشل أول زحف كبير على شرق الأردن في عام 629م، ولكن الحملة التي أرسلت في العام التالي استطاعت الاستيلاء على أجزاء من تلك المنطقة ووضعت مدينة «إيلياء» (إيلات) الواقعة على خليج العقبة تحت سيطرة المسلمين. وحشد النبي، عليه السلام، قبل وفاته مباشرة جيشا آخر للزحف نحو الشمال، ولم يكد أبو بكر يأذن له بالانطلاق حتى اضطرته الحرب مع القبائل المرتدة إلى استدعائه على وجه السرعة. وفي خلافة أبي بكر، رضي الله عنه، بدأت المعارك الأولى للمسلمين مع الفرس، كما بدأ الإعداد المنظم لفتح سوريا البيزنطية. ولكن الفتوح الإسلامية لم تبلغ ذروتها إلا في عهد عمر، رضي الله عنه (634-644م). ولدى وفاة عمر، كانت تقع في أيدي المسلمين - بالإضافة إلى شبه الجزيرة العربية - سوريا والعراق بأكملهما والمناطق الغربية من بلاد فارس من ناحية، ومصر وليبيا من الناحية الأخرى. وبذلك وضعت أسس الدولة الإسلامية العالمية.
ناپیژندل شوی مخ