وأما العقل فقالوا: لو قدر أحدنا على الفعل لكان إما أن يقدر حال وجوده وهو محال، لاستحالة إيجاد الموجود، أو قبل وجوده وهو محال؛ لأن القدرة إن كان لها أثر لزم حصول المقدور حال حصول الأثر، وإن لم يكن لها أثر لزم أن لا يكون قدرة.
والجواب: أن هذا معارض بقدرة الباري تعالى وجوابهم جوابنا، والتحقيق: أن القدرة ثابتة قبل الفعل، ولها به تعلق يثبت حال ثبوتها، وهو صحة إيجاده لها.
وأما التأثير: فمعناه أنه وجد بها، وذلك لا يحصل إلا حال وجود المقدور؛ لأنه هو وجود المقدور بها.
قالوا: قد كلف الله تعالى ما يعلم أنه لا يقع والقدرة على خلاف الفعل محال؛ لأن ذلك يؤدي إلى انقلاب علم الله جهلا.
والجواب أن يقال: من سلم لكم استحالة القدرة على خلاف
المعلوم، ولو ادعينا الضرورة على القدرة على خلاف المعلوم لأمكن، فإن أحدنا يعلم من نفسه أنه قادر على إلقاء خاتمه في البحر، وعلى أن يسعى في السوق ويقتل نفسه فحينئذ لا حجة لهم، (فثبت بذلك) الذي قررنا (أن الله تعالى لا يكلف عباده مالا يقدرون عليه) وبطل ما قاله المخالف.
(المسألة الخامسة عشرة: في معنى أن الله تعالى عدل حكيم)
واعلم: أن الحكمة هي: كل فعل حسن لفاعله فيه غرض صحيح هذا إذا رجع بهذا الوصف إلى الفعل وهو الغرض، فإن رجع به إلى الذات فالحكمة بمعنى العلم، وعليه حمل قوله تعالى: {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا}[البقرة:269] وقد اتفق أهل الإسلام على أنه تعالى يوصف بأنه حكيم، ثم اختلفوا في المعني فقال أهل العدل: لا يفعل الله تعالى الفعل إلا لغرض (فلا يثيب أحدا إلا بعمله ولا يعاقب أحدا إلا بذنبه)، وقالت المجبرة: يجوز أن يفعل لا لغرض، بل يجوز أن يعذب الأنبياء ويثيب الأشقياء.
مخ ۶۹