وأما الدعوى الثانية: وهي أن الأعراض محدثة فقد خالف في ذلك فرقة من الفلاسفة زعموا أنها قديمة، ولكنها تكمن وتظهر، وهؤلاء هم أهل الكمون والظهور، قلنا: الدليل على حدوثها أنها تعدم والقديم لا يعدم، أما أنها تعدم، فلأنه متى سكن الجسم المتحرك عدمت الحركة التي كانت فيه، والعكس، وإنما قلنا: أنه عدم؛ لأنه لا يخلو إما أن يكون باقيا فيه مع وجود ضده، أو منتقلا منه إلى غيره، أم معدوما كما نقول لا يصح أن يكون باقيا، إذ لو كان باقيا مع وجود ضده لكان الجسم متحركا ساكنا مثلا في حالة واحدة، وهو محال إذ المعاني توجب الصفات لما هي عليه في ذاتها، فيلزم أن توجبها في كل أو قات وجودها إذ لا اختصاص لذلك بوقت دون وقت، ولا يصح أن يكون المعنى منتقلا، وإلا لكان العرض منتقلا، وانتقاله محال؛ لأنه إن أريد بالانتقال ما هو المعقول من أنه تفريغ جهة وشغل أخرى فهو إنما ثبت في المتحيزات وبه تتميز عن غيرها، والأعراض ليست بمتحيزة وإلا لم يصح اجتماع الأعراض الكثيرة في المحل الواحد.
وإن أريد بالانتقال أن تحل محلا آخر غير محلها الأول فهو لا يصح؛ لأن حلول العرض في المحل المعين له كيفية في وجوده، وكيفية الوجود لا تفارقه، فلم يبق إلا أن يكون معدوما، وأما أن القديم لا يعدم، فلأن جواز القدم ينافي وجوب الوجود ويقتضي أن الموجود والمعدوم على سواء في الجواز، وإذا كان كذلك لم يكن الوجود أولى من العدم إلا بمخصص والمخصص باطل.
مخ ۲۱