188

ارشاد

الإرشاد إلى نجاة العباد للعنسي

ژانرونه

تصوف

المعاشرة مع الملوك الجبابرة

أما في زماننا هذا فجرت عادة الأكثر بالمعاشرة معهم بالملاطفة والموالاة، والملاينة والمداهنة، وترك المقاطعة والمخاشنة، والاعتماد على المداخلة لهم، والمؤازرة والمهاداة، والمؤاكلة، والمشاربة، والمداناة، والمقاربة، والمصاحبة، والمدافعة عنهم والاحتجاج لهم، وترك المباينة لهم، والإخلال بالمناصحة لهم بالوعظ والتذكير، والصبر على ذلك إلى وقت الأياس من رجوعهم إلى رضاء العلي الكبير، وكل ذلك ظهر واشتهر واستمر، ممن يعزى إلى الفقه والعلم، ويتوهم فيه العقل والزهد والحلم، وعلى التحقيق هم علماء السوء، والزهاد الجهال، وهذان الصنفان اللذان حذر منهما النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: (اتقوا العابد الجاهل، والعالم الفاسق)(1) وكان في ابتداء الأمر يفعل على وجه التستر والخفاء، ومتى ظهر في مقابلته النهي من أهل الدين والتقى، فكان الإنكار فيه يكثر، والاشتهار بفعله يعسر، ثم إنه ظهر فعله واشتهر ؛ بسبب كثرة علماء السوء، وبقي فيهم الاعتذار في فعله بعلالات لا يعتد بها، وتارة يظهر منهم الإنكار على غيرهم في مثله، كما روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (يكون في آخر الزمان علماء يزهدون الناس في الدنيا ولا يزهدون، ويرغبون في الآخرة ولا يرغبون، وينهونهم عن غشيان السلطان ولا ينتهون، يقربون الأغنياء، ويبعدون الفقراء، وينبسطون عند الكبراء، وينقبضون عند الفقراء، أولئك أعداء الرحمن).

وهذا كله قد ظهر واشتهر في زماننا هذا، فإنك تجد كثيرا من الناس يزهد في الدنيا، ويرغب في الآخرة، وينهى عن إتيان السلطان، وهو مواظب على مخالطة السلطان، بل على مخالطة كثير من الفساق والعصاة، ولما رأى العامة ذلك لم يقبلوا أمره ولا نهيه.

مخ ۱۹۲