انتصار
الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197
ژانرونه
مسألة: أبوال ما لا يؤكل لحمه نجسة عند عامة العلماء العترة، وهو محكي عن محمد بن الحسن وزفر والثوري، ومالك والأوزاعي، وهو قول أبي حنيفة والشافعي.
والحجة على ذلك: ماروي عن النبي أنه قال لعمار: (( إنما تغسل ثوبك من البول)). ولم يفصل بين بول وبول، وما خرج عن ذلك فإنما يخرج بدليل، وهكذا بول الفأرة وبول الأوزاغ، وبول الخفاش، وبول الهر، كلها نجسة؛ ولأنه بول خارج من أحد سبيلي مالا يؤكل لحمه، فكان نجسا كبول بني آدم.
وذهب إبراهيم النخعي إلى أن جميع الأبوال كلها طاهرة في حق البهائم، وحكي عن داود أنه قال: الأبوال كلها طاهرة إلا بول بني آدم.
والحجة لإبراهيم: أنه بول حيوان لعابه وعرقه طاهران فكان بوله طاهرا كالحيوان الذي يؤكل لحمه.
وأما الحجة لداود: فهو أن جميع الأبوال كلها هي الأمواء التي تشربها، ولم يعرض لها إلاحصولها في أجوافها، ولم تدل دلالة على تنجسها في أجوافها، فلهذا كانت باقية على الطهارة كما لوكانت موضوعة في الآنية، وبول بني آدم خرج بالدلالة، وبقي ما عداه على أصل هذا القياس الذي قررناه.
والمختار: ماقاله علماء العترة وفقهاء الأمة من الحكم بنجاسته.
والحجة عليه: ما ذكرناه من قبل، ونزيد هاهنا، وهو أنه بول مستحيل إلى نتن خارج من حيوان لا يؤكل لحمه كالكلب والخنزير، هذا رد على إبراهيم، أو نقول: إنه بول مالا يؤكل لحمه، فوجب الحكم بنجاسته كبول بني آدم، هذا على داود، ولأن أصلها جميعا على التقذير، أعني بول ما يؤكل لحمه ومالا يؤكل لحمه، لكنا خصصنا بول مايؤكل لحمه بدلالة شرعية نذكرها بعد هذا، فبقي ماعداه على حكم التقذير والنجاسة.
الانتصار: ليس معتمدكم فيما قلتموه سوى القياس، وقياسنا معارض لقياسكم، وترجيح قياسنا من جهة كونه دالا على الحظر ، وقياسكم دال على الإباحة، فلا جرم كان قياسنا أحوط فوجب الاعتماد عليه، ثم إنا نؤيده بالفرق، وهو أن المعنى في الأصل: أنه حيوان يؤكل لحمه فافترقا، هذا على إبراهيم، وعلى داود قال: إن الأصل أنها أمواء ودخولها في بطونها لا تنجسها.
مخ ۳۳۳