304

انتصار

الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197

ژانرونه

فقه

واعلم أن كلامهما دال هاهنا على أن الرجحان إذا كان حاصلا في أحد الاحتمالين فإنه يكون ظنا غالبا، والاحتمال الآخر شك، فظاهر هذا الكلام يشعر بأنه يطلق عليه اسم الشاك، مع كونه ظانا وهذا فاسد، فإنه إذا قوي ظنه على أحد الاحتمالين فإنه بالظن يكون خارجا عن حقيقة الشك بكل حال، ولا يطلق عليه اسمه بعد كونه ظانا، سواء كان ظنه غالبا أو مقاربا؛ لأن الشك كما ذكرناه خلو عن كل ترجيح، فلا يكون مصاحبا للرجحان أصلا.

فأما التجويز: فإنه مخالف لما ذكرنا من الشك، فإنه يكون مصاحبا للرجحان، سواء كان ذلك الرجحان بعلم أو ظن أو اعتقاد؛ لأن حقيقتة لا تنافي هذه الأمور بل تكون باقية معها، فلا جرم صاحبتها، بخلاف الشك فإن حقيقته منافية للرجحان فلا تصاحبه، فتنخل من مجموع ما ذكرناه تباين هذه الأشياء في الحقائق والأحكام، أعني الشك والظن والتجويز، وأنه لا سبب للوقوع في مثل هذه المضائق إلا عدم الإحاطة بهذه الدقائق والميز بينها، وهو مسلك دقيق لا يدرك إلا بالفكرة الصافية، والقريحة المتقدة، وما وقعا فيما وقعا فيه إلا لعدم الوطأة في المباحث الكلامية، والإحاطة بدقائقها، والغوص على أسرارها وغوامضها وحقائقها.

الاستدراك الخامس: قولهما: مثال الظن المطلق - الذي هو الشك على زعمهما وتوهمهما - ما نقلاه عن المؤيد بالله فيمن صلى في سراويل المجوسي، فإنه يحتمل أن يكون المجوسي قد نجسه لسبب من الأسباب، إما بترك الاستنجاء أو بغيره، ويجوز خلاف ذلك وهو أن لا يكون أصابه شيء من النجاسات، وليس لأحد الاحتمالين رجحان على الآخر، وكل واحد من الاحتمالين ظن.

واعلم أن ما ذكره المؤيد بالله إنما أورده لمقصدين:

المقصد الأول: لبيان أن الأصل في الأشياء كلها التطهير، ولا يقدم على تنجيسها إلا بأمارة قوية تنقلها عن حكم أصلها، ومثله بسراويل المجوسي فإنه باق على أصل الطهارة لا يقدم على القول بتنجيسه إلا بأمارة.

مخ ۳۰۹