انتصار
الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197
ژانرونه
الإستدراك الثالث: قولهما: فإذا كان التجويز الوارد على الشيء والاحتمال الواقع فيه يستوي طرفاه، فإن كل واحد من الاحتمالين ظن، إلا أنه ليس بظن غالب وإنما هو ظن مطلق، وهذا فاسد لأمرين:
أما أولا: فلأن ظاهر كلامهما هذا يقتضي بأن التجويز هو الشك، وهذا فاسد، فإن حقيقة الشك مخالفة لحقيقة التجويز، فإن الشك كما ذكرناه تصور الحقائق والماهيات مع الكف عن اعتقاد شيء من أحكامها اللازمة لها.
وأما التجويز: فهو العلم بأن ليس في العقول ما يحيل هذا الحكم في الثبوت ولا نقيضه. فإذا علمنا العالم نفسه، وكففنا عن اعتقاد قدمه وحدوثه، فهذا هو الشك، وأما إذا علمنا بأنه ليس في العقول ما يحيل إثبات قدمه وإثبات حدوثه، فهذا هو التجويز. ثم إن التجويز هو مستند للشك فلا شك في الأمرين جميعا: القدم والحدوث، إلا إذا كان مجوزا وكانا ممكنين، فأما الأمور المستحيلة فلا يمكن تجويزها، وهو أيضا مستند للظن فإنه لا يمكن ظن حكم من الأحكام في ثبوته ونفيه، إلا إذا كان مجوزا له، فعرفت بما ذكرناه مغايرة حقيقة الشك للتجويز وأن الشك لا يكون تجويزا بحال.
وأما ثانيا: فقولهما: إن كل واحد من الاحتمالين ظن.
فظاهر هذا الكلام دال على أن محتملي التجويز ظن، وهذا فاسد، فإن التجويز في نفسه ليس ظنا، فكيف يكون احتمالاه ظنين، وإنما التجويز لابد من مصاحبته للظان، كما أنه يصاحب الشاك؛ لأن قاعدة التجويز هو العلم بإمكان تلك الصفة في الثبوت والانتفاء، وإذا كان مصاحبا أعني التجويز للظن، فكيف يقال بأنه نفس حقيقته!.
الاستدراك الرابع: قولهما: فإذا وجد الرجحان في أحد الاحتمالين على الآخر، فإن أرجح الاحتمالين صار ظنا غالبا، والاحتمال الآخر شك، فإن قوي الرجحان في أحد الاحتمالين وضعف الاحتمال في الآخر فهو ظن غالب مقارب للعلم.
مخ ۳۰۸