291

انتصار

الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197

ژانرونه

فقه

الاحتمال الثالث: أنه يتوضأ بالباقي من غير اجتهاد، من جهة أن الأصل هو بقاء الماء على الطهارة، وهذا هو أغربها وأعجبها؛ لأنه أصل على الطهارة ولأنه قد انفرد فصار كما لو لم يوجد من أول الأمر غيره.

وإن اجتهد في الإناءين فلم يغلب على ظنه طهارة أحدهما فأراقهما على الأرض ثم إنه تيمم وصلى صح، ولم تجب عليه إعادة لما صلى، لما روي عن النبي أنه قال: (( لا ظهران في يوم)). فلو أوجبنا عليه الإعادة لكان ذلك مخالفة لظاهر الخبر، فإن صب أحدهما وترك الآخر جاز له أن يتوضأ بالآخر كما ذكرناه من قبل؛ لأنه باق على أصل الطهارة كما لو لم يكن إلا هو.

الفرع الرابع: إذا كان معه إناءان فاشتبه عليه نجاسة أحدهما فتحرى فيهما فأداه اجتهاده إلى طهارة أحدهما، فالمستحب له أن يريق الآخر مخافة أن يشتبه عليه الأمر فيه مرة ثانية، فإن لم يرقه وبقيت من الأول بقية تكفي للطهارة، ثم حضرت صلاة أخرى وهو محدث فهل يجب عليه إعادة التحري أم لا؟

والأقرب أنه لا تجب عليه إعادة التحري كما لو صلى إلى جهة بالاجتهاد، ثم حضرت صلاة أخرى فإنه يجزيه التحري الأول ما لم يتغير، وهو أحد قولي الشافعي، وحكى ابن الصباغ صاحب (الشامل)، والمحاملي: أنه يجب عليه إعادة الاجتهاد ثانيا، ولا وجه له مهما كان الاجتهاد مستمرا على طهارة ما استعمله وعلى تلك الجهة، فإن تغير اجتهاده قبل أن يصلي نظرت، فإن أداه اجتهاده إلى طهارة الأول فلا كلام لمطابقة الاجتهاد الأول للثاني من غير مخالفة، وإن تيقن أن الذي توضأ به هو الطاهر فإنه لا يستحب له إهراق النجس؛ لأنه ربما احتاج إليه في حال عطشه، وإن تيقن أن الذي توضأ به هو النجس فإن الواجب عليه غسل ما أصابه من الماء الأول في ثيابه وبدنه وإعادة ما صلى بالطهارة الأولى، لأنه قد تحقق يقين الخطأ فيما فعله فهو كالمجتهد إذا أخطأ النص ثم وجده، فإنه يبطل اجتهاده فهكذا هاهنا.

وإن أداه اجتهاده إلى أن ما توضأ به نجس وأن الثاني طاهر فكيف يكون الحكم فيه؟ وقد حكي عن الشافعي في ذلك قولان:

فالقول الأول منهما: حكاه المزني وهو: أنه لا يتوضأ بالثاني ولكنه يتيمم ويصلي ويعيد كل صلاة صلاها بالتيمم، وهذا الذي رواه عنه حرملة أيضا.

مخ ۲۹۶