ومن تمكين الإنسان في الأرض أن يبتغي فيها معيشته، ويسيم فيها مطيته، وأن يتخذ منها زينته، ويتم بها عدته، ولا يزهد في شيء من خيراتها يخرجه لنفسه، أو تخرجه له الأرض من فضل ربه:
والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون * وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين * هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون * ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون (النحل: 8-11). •••
بل الزينة للعبادة واجبة كوجوبها لمقاصد الدنيا ومطالب المعيشة، والخطاب في هذا موجه إلى بني آدم؛ لأنها نعمة مرضية من نعم الإنسانية، ومن تمييز الله لهذا الإنسان على سائر الحيوان:
يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين * قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق (الأعراف : 31، 32).
ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش (الأعراف: 10). •••
فهو من تمكين بني آدم بين خلائق الله، وهو من حق المعيشة الأرضية وواجب الحياة الدنيوية، لا تناقض فيه بين روح وجسد، ولا تنازع فيه بين دنيا وآخرة، ولا فصام فيه للذات الإنسانية يحار فيه العقل وتتمزق به أوصال الضمير.
وقوامه في خطاب التبليغ للإنسان من بني آدم كافة:
وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا (القصص: 77). •••
فليس السعي في سبيل الدنيا ضلالا عن سبيل الآخرة، وليس في القرآن فصام بين روح وجسد، أو انشقاق بين عقل ومادة، أو انقطاع بين سماء وأرض، أو شتات في العقيدة يوزع «الذات الإنسانية» بين ظاهر وباطن، وبين غيب وشهادة، بل هي العقيدة على هداية واحدة تحسن بالروح كما تحسن بالجسد، في غير إسراف ولا جور عن السبيل:
ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين (النحل: 9).
ناپیژندل شوی مخ