دليل ذلك قوله تعالى: " وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله " واعلم: أن المسموع فهو كلام الله القديم صفة لله تعالى قديمة موجودة بوجود قبل سماع السامع لها، وإنما الموجود بعد أن لم يكن هو سمع السامع وفهم الفاهم لكلام الله تعالى يحدث الله تعالى له سمعا إذا أراد أن يسمعه كلامه، وفهما إذا أراد أن يفهمه كلامه، لأن المسموع لم يكن ثم كان عند السمع والفهم، وهذا كما أن الله موجود قديم بوجود قديم، وإذا خلق رجلا أو امرأة لعبادته وسهل له العبادة التي لم تكن ثم كانت فإنه يصير عابدا لله تعالى، الذي هو موجود قديم دائم قبل العبادة وبعدها، وإنما الذي لم يكن ثم كان هو العابد والعبادة، فافهم الحق وحدوده.
### || مسألة
فحصل من هذا: أن الله تعالى يسمع كلامه لخلقه على ثلاث مراتب: تارة يسمع من شاء كلامه بغير واسطة لكن من وراء حجاب، ونعني بالحجاب للخلق لا للحق كموسى عليه السلام أسمعه كلامه بلا واسطة لكن حجبه عن النظر إليه، وتارة يسمع كلامه من شاء بواسطة مع عدم النظر والرؤية أيضا من ملك أو رسول أو قارىء؛ وهو استماع الخلق من الرسول عند قراءته للصحابة وقراءة الصحابة على التابعين، وكذلك هلم جرا إلى يومنا هذا؛ يسمع كلام الله تعالى على الحقيقة لكن بواسطة، فتارة يسمع كلامه من شاء من الخلق بغير واسطة ولا حجاب، كتكليمه لنبينا عليه السلام ليلة المعراج. دليل الثلاثة قوله تعالى: " وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا " وهو نبينا صلى الله عليه وسلم أسمعه الله تعالى كلامه ليلة المعراج من غير واسطة ولا حجاب، لأنه تعالى في تلك الليلة قال: " فأوحى إلى عبده ما أوحى " ولا يحمل الوحي ها هنا على الإلهام بل على السماع والإفهام؛ أو من وراء حجاب، كموسى عليه السلام أسمعه كلامه بلا واسطة لكن حجبه عن الرؤية، أو يرسل رسولا فيوحى بإذنه ما يشاء فيسمع من يشاء كلامه بواسطة تبليغ الرسول أو قراءة القارئ. وهذه جملة بليغة في هذا المعنى إن شاء الله تعالى.
مسألة
ويجب أن يعلم أن كلام الله تعالى منزل على قلب النبي صلى الله عليه وسلم نزول إعلام وإفهام لا نزول حركة وانتقال.
مخ ۳۴