وأمَّا أحكام الدنيا على هذا المذهب، فما خصَّهم الشَّرعُ به من حُكمٍ فهو كما خصَّ، وما لا، فهم فيه على سائر أحكام المؤمنين، وعند ذلك يَتَّضح لك، ولا يخفى عليكَ، أن جواز فدائهم أو المفاداة بهم لا تصحُّ بحال، وعلى هذا فحكمهم أن يُجبروا على الإسلام، إذا كانوا في أيدي المسلمين، فمن أبَى منهم عُوقِبَ وأُدِّبَ ما دامَ صغيرًا، فإذا بلغَ ولم يُجِبْ إلى ذلك، فحكمه حُكمُ المرتدّ، يُستتاب، فإن تاب وإلا قتل.
وأما من أجازَ فيهم المفاداةَ بالأسرى وبالمال على كلِّ حال، فإنهم غَلَّبوا الظواهرَ الدالَّةَ على إلحاقهم بالكفار، وحملوهم على أحكام الكفر؛ إما مطلقًا
-كما تقدم-، وإمَّا مُقيَّدًا بأحكام الدنيا عمومًا، إلا ما خصَّ الشَّرعُ من ذلك، وهو النَّهيُ عن قتلهم.
وأمّا من فرَّق فيهم بين الفديةِ والمفاداة، فكأنَّه أَشْكَلَ عليه الأمرُ فيهم؛ لِمَا وقعَ من تعارض الأدلَّة عنده، ولظاهر قوله ﷺ -وقد سُئل عمَّن مات منهم قبل البلوغ- فقال: «الله أعلم بما كانوا عاملين» (١)، فاستخفَّ ذلك في المعاوضة بالمسلم الذي هو على يقينٍ من الحكم بإيمانه، ومنعه في المال، وكأن هذا أخفُّ من إباحة ذلك على الإطلاق، وكلُّ هذا الخلافِ إنما هو ما لم يُسلم أبوا الطِّفْل المسبيِّ، لقوله ﷺ: «فأبواه يهودانه وينصِّرانه ويمجسانه» (٢)، فأمَّا إنْ أسلما فهو إجماعٌ أن للطِّفل حرمةَ الإسلام، وجميعَ أحكامه، فإن أسلم أحدهما دون الآخر