حملق فيها الشرطي بعينين جاحظتين: أتكذبين؟
وضحكت وهي تطرقع أصابع يديها فصفعها على وجهها، فانساب الخيط الرفيع الأحمر من فمها وأنفها، لكن عينيها السوداوين ظلتا مرفوعتين إلى أعلى، وأنفها له ارتفاعة حادة تشق الكون أمامها نصفين، وحين سارت إلى جوار الشرطي بدت ساقاها في البنطلون الأسود طويلتين، عضلاتهما مشدودة، وعظامهما مستقيمة، تدب بكل قدم على حدة فوق الأرض، وتفصل بين ساقيها بثقة. وحين وصلت إلى الحجرة الفسيحة المزدحمة بالأجسام وقفت وقفتها المألوفة، اتكأت بقدمها اليمنى فوق الأرض، ورفعت قدمها اليسرى عالية في الهواء، ثم وضعتها فوق الحاجز الخشبي الذي بينها وبين ضابط يجلس من خلف مكتب صغير.
فتح الضابط دفترا كبيرا بحجم المكتب ورن صوته في الحجرة مناديا: بهية شاهين.
أدركت أنه ينادي واحدة أخرى فلم ترد، لكنه نادى مرة ثانية بصوت عال: بهية شاهين.
وتلفتت حولها تبحث في الوجوه عن واحدة اسمها بهية شاهين. لم تتعرف على وجهها بين وجوه النساء الواقفات والجالسات فوق الأرض، ورنت في الحجرة ضحكة أنثوية ممطوطة تبعتها ضحكات كركرت مصحوبة بطرقعات اللبان ومصمصات الشفاه، ورائحة عرق ونتانة امتزجت برائحة عطر نفاذ كصبغة اليود، ووجوه بعضها سمين مكتظ باللحم وبعضها ناحل ممصوص، الجلد فوق العظم، والكحل الأسود ساح من الحر حول العينين فأصبح كشنبر أسود لنظارة بيضاء، والجسد السمين المترهل يترجرج تحت الفستان الحريري الضيق، برجرجة البروزات والانبعاجات والأثداء والأرداف، والجسد الناحل كعود الذرة الجاف بغير الثديين ولا ردفين، والأقدام الأنثوية الصغيرة تطل من الشباشب المفتوحة بأظافرها الطويلة الحمراء وكعوبها المشققة المسودة بالطين.
وقالت واحدة من الضامرات: أين بهية شاهين؟
وردت واحدة من السمينات: أنا اسمي بهية الشربتلي. - أهلا وسهلا يا أختي. - أهلا بك. - متى يتوب علينا ربنا؟ - ربنا راضي عنا كل الرضا. - والنبي يا أختي. - طبعا، نحن زين النساء. - رددت الروح في جسدي يا أختي. - لولانا لمات الأزواج الشرفاء، وانهارت البيوت المحترمة. - ولكنهم يتأففون من رائحتنا. - لأنها رائحتهم الحقيقية. - ويضعوننا في السجن. - لأننا نعرف شكل عوراتهم. - ويخافون منا إلى حد الموت. - ويرغبوننا إلى حد الموت.
ورنت الضحكات الممطوطة وطرقات الشباشب واللبان، وفاحت رائحة النتانة ذات العطر النفاذ، وخبط الضابط بيده فوق المكتب الكالح كمنضدة المطبخ وصاح غاضبا: سكوت يا غجر! أليس عندكم حياء؟
وكركرت واحدة بضحكة طويلة: حياء إيه يا شاويش؟ أصحاب الحياء ماتوا.
وغمز لها الرجل بحاجبه قائلا: صدقت والله.
ناپیژندل شوی مخ