هذا الشعور الفطري وتلك الحاجة الطبيعية كانتا أساس الإيمان قبل أن تأتي به الرسل ويوحى به إلى الأنبياء.
قال جوستاف لبون في كتابه حقائق الزمن الحاضر:
1 «ضعف الإنسان عن الحياة بلا يقين، ففضل المعتقدات وإن ضعف أساسها عن الزندقة وإن وضح برهانها.»
ذلك ما تجلى لبريو؛ إذ كان ذات يوم في معبد من المعابد، فألفى المصلين قائمين يضرعون لتمثال معبودهم، يلتمسون منه قضاء الحاجات، وكان من بينهم مرضى وذوو عاهات وبؤساء تعلقت آمالهم بربهم تعلقا اتصلت به سعادتهم، فتأثرت نفسه، وجال في خاطره أنه لو استطاع أن يرشد هذا الجمع إلى كذب ما يعتقد، وإلى أن معبوده لا يسمع ولا يعي لما فعل؛ حرصا على هذا الأمل أن يزول، وهذا الخيال الكريم أن يتبدد، ومن ثم خطر له أن يضع رواية في هذا الموضوع فاختار لها مصر الفرعونية، لما اشتهر به ساكنوها قديما من التمسك بمعتقداتهم، وتقديس معبوداتهم، وتعليق آمالهم على حياة أخرى بها ثواب وعقاب. فقدم مصر واستعان بمسيو لجران رئيس مهندسي معبد الكرنك على وضع روايته «الإيمان
La Foi »، ولما عاد لأوروبا مثلها أولا على مرسح مونت كارلو، ثم بمرسح الأوديون بباريس، وترجمها الإنكليز ومثلت على مرسح «جلالة الملك بلندن» باسم «الآلهة الكاذبة» وقد اسقبلتها الصحافة الفرنساوية بترحيب وإعجاب عظيمين، فمما قالته جريدة الطان عنها بقلم محررها الشهير مسيو بريسون: «إنها رواية تصدت لمسألة اجتماعية كبرى كانت من القدم مثار الأفكار ومحل الخلاف بين الناس، وهي مسألة الإيمان، ولقد مثل لنا فيها كاتبها صورة العذراء الطاهرة «يوما» وهي تسعى إلى الموت فرحة سكرى برحيق الإيمان، وصورة الحكيم المصلح «ساتني» وهو يحاول تطهير النفوس من الخرافات وإرشادها إلى الفضيلة المجردة، وصورة الشعب الغشوم وقد استسلم لإيمانه الأعمى، وصورة الكاهن الماكر وقد تولى قيادة تلك القوة العمياء إلى حيث تخدم مطامعه وأمانيه، وصورة الإيمان البصير في نفس «مييريس العمياء» التي «لا تؤمن بآلهة باسمهم يقتلون الناس» وهي الكلمة التي ختم بها المؤلف روايته.»
وقد يطول بنا المقام لو أردنا أن نسرد ما جاء في الجرائد الأخرى مثل الإلوستراسيون وكوميديا والسييكل والفيجارو والإيكو ده باري ... إلخ؛ تقريظا لهذه القطعة البديعة ، إنما نقتصر على القول بأنها من أنفس ما كتب الكاتبون ومثل الممثلون، ولا سيما لما اختصت به من التأثير الكريم في نفوس الجمهور؛ إذ يتأكد بالحس «أن الديانات - كما قال جوستاف لبون - أفادت الأمم بإحداثها الأمل في الحياة الباقية أكثر من جميع من خلق الله من الفلاسفة والحكماء، وأن الديانات قوة ينبغي الانتفاع بها لا معارضتها، وأن الأمم قلما تعيش بعد موت معتقداتها.»
وفي هذه الجمل اندمج مغزى الرواية: فهي تشير إلى أن الإيمان عماد القلوب يعين المرء على الصبر على مضض الحياة الدنيا طمعا في نعيم الآخرة، وأنه الوازع للنفوس يردعها عن ارتكاب الجرائم واقتراف الآثام، وتظهر ما ارتكبه الشعب الجاهل في مصر من الكبائر لما تزعزعت معتقداته وفقد إيمانه، وأن حقيقة ديانة المصريين كانت التوحيد، وموضوع الرواية: مزيج من الخيال والتاريخ والفلسفة قائم على ما روي عن قدماء المصريين من أنهم كانوا يقربون فتاة عذراء للنيل كل عام؛ ليفيض فيضانه السنوي المعروف.
وعلي قبل اختتام هذه المقدمة أن أؤدي فروض الشكر لحضرة صديقي العالم العلامة والأثري الكبير أحمد بك كمال، أمين المتحف المصري لمساعدته إياي على ضبط الأعلام الهيروغليفية التي جاء ذكرها في سياق الرواية وتحقيق وقائعها الأثرية بتطبيقها على ما جاء في الآثار الصحيحة.
وقد ذيلت صحف الرواية بما جمعته من المباحث العلمية المتعلقة بأساطير قدماء المصريين وعاداتهم مما اقتضاه الموضوع إتماما للفائدة وتبيينا للمصادر والحقائق.
صالح جودت
ناپیژندل شوی مخ