348

فرد سليمان عليه قال: بل ابنك المارق من الدين، والشاق عصا المسلمين، المنابذ لأمير المؤمنين، فمهلا أيها الشيخ الخرف. فقال موسى: والله ما بي من خرف، ولا أنا من الحق بذي جنف[ (1) ]ولن ترد محاورة الكلام مواضع الحمام، وأنا أقول كما قال العبد الصالح[ (2) ]. (فصبر جميل، والله المستعان على ما تصفون) [يوسف: 18]قال: ثم قال موسى: أفتأذن في رأسه يا أمير المؤمنين؟ واغرورقت عيناه، فقال له سليمان: نعم، فخذه، فقام موسى فأخذه، وجعله في طرف قميصه الذي كان عليه، ثم أدير في السماطين، فوقع الطرف الآخر عن منكبيه، وهو يجره لا يحفل به ولا يرفعه. فقال له خالد بن الريان: ارفع ثوبك يا بن نصير، فالتفت موسى وقال: ما أنت وذاك يا خالد. قال سليمان: دعه، حسبه ما فعلنا به. فلما توارى موسى قال سليمان: دعه إن في الشيخ لبقية بعد.

ثم إن موسى التفت إلى حبيب بن أبي عبيدة[ (3) ]فكلمه بكلام غليظ حتى ذكر أمرا خفيا من نسبه[ (4) ]فأفحمه ثم إن سليمان كشف عن أمر عبد العزيز، فألفى ذلك باطلا، وأن عبد العزيز لم يزل صحيح الطاعة، مستقيم الطريقة، فلما تحقق عند سليمان باطل ما رفع إليه عن عبد العزيز ندم، وأمر بالوفد فأخرجوا، ولم ينظر في شيء من حوائجهم، وأهدر عن موسى بقية القضية، التي كان سليمان قاضاه عليها، وكان سليمان قد آلى قبل خلافته، لئن ظفر بالحجاج بن يوسف وموسى بن نصير ليعزلنهما، ثم لا يليان معه من أمور الناس شيئا. فلما رضي عن موسى جعل يقول: ما ندمت على شيء ندامتي، أن لا كنت خلوا من اليمين على موسى في أن لا أوليه شيئا، ما مثل موسى أستغني عنه.

قال: وإن موسى دخل على سليمان في آخر يوم من شعبان عند المغرب، وهو مستشرف على سطح وعنده الناس. فلما رآه سليمان قال: عندكم والله من إن سألتموه عن الهلال ليخبرنكم أنه قد رآه وقد غم الهلال يومئذ على سليمان [ (1) ]جنف: بعد.

[ (2) ]إشارة إلى يعقوب عليه السلام، أبو يوسف لما أخبره بنوه، إخوة يوسف، ما حصل ليوسف.

[ (3) ]ابن أبي عبيدة، تقدمت إليه الإشارة. وانظر جمهرة الأنساب لابن حزم ص 178 وفيه: فولد أبي عبيدة: حبيب قاتل عبد العزيز بن موسى بن نصير.

[ (4) ]لعله بشير إلى نافع بن عبد بن قيس جد أبيه أبي عبيدة الذي نخس بزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم-مع هبار بن الأسود-إذ حملت من مكة إلى المدينة فأسقطت جنينا. (جمهرة الأنساب لابن حزم ص 119 و177) .

مخ ۱۱۳