امامت او سیاست
الامامة والسياسة
يصبح ويمسي في الابتلاء. قال الحجاج: فأنا أضحك. فقال سعيد: كذلك خلقنا الله أطوارا. قال الحجاج: هل رأيت شيئا من اللهو؟قال: لا أعلمه. فدعا الحجاج بالعود والناي. قال: فلما ضرب العود، ونفخ في الناي بكى سعيد. قال الحجاج: ما يبكيك؟قال: يا حجاج ذكرتني أمرا عظيما، والله لا شبعت ولا رويت ولا اكتسيت، ولا زلت حزينا لما رأيت. قال الحجاج: وما كنت رأيت هذا اللهو؟فقال سعيد: بل هذا والله الحزن يا حجاج، أما هذه النفخة، فذكرتني يوم النفخ في الصور[ (1) ]، وأما هذا المصران[ (2) ]فمن نفس ستحشر معك إلى الحساب، وأما هذا العود فنبت بحق، وقطع لغير حق. فقال الحجاج: أنا قاتلك. قال سعيد: قد فرغ من تسبب في موتي. قال الحجاج: أنا أحب إلى الله منك؟قال سعيد: لا يقدم أحد على ربه حتى يعرف منزلته منه، والله بالغيب أعلم. قال الحجاج: كيف لا أقدم على ربي في مقامي هذا، وأنا مع إمام الجماعة، وأنت مع إمام الفرقة والفتنة؟قال سعيد: ما أنا بخارج عن الجماعة، ولا أنا براض عن الفتنة، ولكن قضاء الرب نافذ لا مرد له. قال الحجاج: كيف ترى ما نجمع لأمير المؤمنين؟قال سعيد: لم أر، فدعا الحجاج بالذهب والفضة، والكسوة والجوهر، فوضع بين يديه. قال سعيد: هذا حسن إن قمت بشرطه. قال الحجاج: وما شرطه؟قال: أن تشتري له بما تجمع الأمن من الفزع الأكبر يوم القيامة، وإلا فإن كل مرضعة تذهل عما أرضعت[ (3) ]، ويضع كل ذي حمل حمله، ولا ينفعه إلا ما طاب منه. قال الحجاج: فترى طيبا؟قال: برأيك جمعته، وأنت أعلم بطيبة. قال الحجاج: أتحب أن لك شيئا منه؟قال: لا أحب ما لا يحب الله. قال الحجاج: ويلك. قال سعيد: الويل لمن زحزح عن الجنة فأدخل النار. قال الحجاج: اذهبوا به فاقتلوه. قال: إني أشهدك يا حجاج أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، أستحفظكهن يا حجاج حتى ألقاك. فلما أدبر ضحك. قال الحجاج[ (4) ]: ما يضحكك يا سعيد؟ [ (1) ]إشارة إلى الآية الكريمة: (ويوم ينفخ في الصور ... وكل أتوه داخرين) من سورة النمل آية 87.
[ (2) ]يريد: أوتار العود. وهي تتخذ من مصارين الحيوان.
[ (3) ]إشارة إلى قوله تعالى: (يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت) الحج: 2.
[ (4) ]في ابن الأعثم 8/163: ردوه!وهو يضحك (مروج الذهب 3/201) .
مخ ۶۲