يوم مضى صاحب الدعوة الاسلامية ، قلما ولسانا ، وسيفا وسنانا ، وإنما تبتني اسسها اليوم على أنقاض الماضي ، وهي اليوم وغدا كما كانت أمس الفارق بين الفرق ، مع وحدتهم في النبي والكتاب والقبلة ، وفي الفرق اليوم وأمس من ذوي العقول الراجحة والآراء السديدة رجال بإمكانها أن يجمعوها تحت لواء واحد ، كاشفين لهم الستار عما حدا بالامامة إلى التخالف والتنابز ، ويعرفوها فوائد الالفة ، وينذروها سوء الفرقة ، ويلمسوها ما أنزله ذلك الخصام بالاسلام من الويلات والتدمير والشتات.
ولما كانت الامامة هي المفترق للطرق ، وجب أن يكون عندها اجتماع ذلك الافتراق ، فلو عرف الناس اليوم حقيقة الامامة ومن الامام ، لأوشك أن يهب ولو بعضهم إلى وحدة عندها مجتمع الفرق ، ولم الشتات ، في هذه الساعة العصيبة التي سادت فيها الفوضوية وانشقاق الكلمة.
وإني لأحاول أن أرمز إلى بعض ما يجب في الامام ، وإن ذهبت كلمتي أدراج الرياح ، لا تسترعي انتباه غافل ، ولا هبة يقظان ، ولا يغيظني ذلك ما دام القصد صحيحا والغاية غالية ، وهي طلب مراضيه سبحانه.
أقول : إن النظام الذي جاء به خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم نظام عام يجمع بين السيرتين ، سيرة المرء مع الخالق ، وسيرته مع المخلوق ، وإن من جاء بهذا النظام وجب أن يكون قديرا على تطبيقه وتنفيذه حتى لو ثنيت له الوسادة ، فانبسطت دعوته على المعمورة جمعاء ، وخيمت شريعته على العالم كله ، فالنبي عند تطبيق شريعته وتنفيذها يكون ذا سلطتين زمنية وروحية ، ولما دعاه الله إليه ، انتبهت الامة إلى الضرورة التي دعته إلى عقد الامامة في حياته ، فرأوا أن القيام بوظائف صاحب الدعوة حتمي ولا يقوم بها إلا إمام تكون له الزعامة العامة على الامة الاسلامية كلها وتكون له السلطتان اللتان كانتا للرسول
مخ ۶۶