216

ایلیاډه

الإلياذة

ژانرونه

بل أشجع ابن له، وكان ماهرا جدا في القتال العنيف. وما لبث أن قذف رمحه نحو درع ابن فوليوس، هاجما عليه من كثب. بيد أن درقة ابن فولويس - المصنوعة بمهارة - أنقذته. تلك الدرقة التي كان يشدها حول جسده بقطع من الزرد، والتي أحضرها «فوليوس» من أفوري، من نهر سيليس، إذ أهداه إياها ضيف من أصدقائه - هو يوفيتيس، ملك البشر - ليلبسها في الحرب، وقاية لنفسه من العدو. وها هي ذي قد صدت الموت عن جسد ابنه!

وقذف «ميجيس» - بدوره - رمحه الحاد ، فأصاب قمة خوذة «دولوبس» البرونزية ذات الخصلة المصنوعة من شعر الخيل، فأطار الخصلة عنها، وسقطت في التراب، بعد أن كانت تتألق بلونها القرمزي الزاهي. وبينما كان «ميجيس» يصمد ويقاتل «دولوبس» - وهو لا يزال يأمل في النصر - أقبل «مينيلاوس» الجريء ليعاونه، فوقف جانبا - غير ملحوظ - وهو شاهر رمحه. وما لبث أن سدده إلى كتف «دولوبس» من الخلف، فمرق الرمح الحاد خلال صدره موغلا، وانكفأ دولوبس على وجهه. واتجه الاثنان صوبه لينزعا عن كتفيه حلته الحربية المصنوعة من البرونز، ولكن «هكتور» نادى جميع أقاربه، وفي البداية راح يلوم ابن هيكيتاون - «ميلانيبوس» القوي

4 - لأنه كان، حتى ذلك الحين، معنيا بتربية أبقاره السمينة في بيركوتي، بعيدا عن الأعداء، ولكنه - حين أقبلت سفن الآخيين المعقوفة - عاد ثانية إلى طروادة، وصار مبرزا وسط الطرواديين، وعاش في بيت بريام، الذي أنزله من نفسه منزلة أبنائه. ولقد عيره هكتور ولامه قائلا: «أيجدر بنا يا ميلانيبوس أن نكون هكذا كسالى؟ أليس في قلبك أي اعتبار لقريبك المقتول؟ ألا ترى كيف يهتم قاتلا «دولوبوس» بحلته الحربية؟ هيا، فلم يعد لنا إلا أن نقاتل الأرجوسيين حتى نقتلهم، أو يستولوا على «طروادة» الوعرة بأسرها ويقتلوا شعبها!»

وإذ قال هذا، تقدم فتبعه الآخرون، وهو أشبه بالإله. أما الأرجوسيون فقد حثهم أياس التيلاموني العظيم بقوله: «أيها الأصدقاء، كونوا رجالا، واستحيوا من أنفسكم، وليخجل كل من ازدراء الآخر له في العراك المرير. فإن الذين يستحيون، يناضلون في بلاء حتى لا يسقطوا، ولن يقوم مجد أو نفع لمن يفرون!»

هكذا قال، وكان الرجال من تلقاء أنفسهم تواقين إلى صد العدو، فوعوا كلمته في قلوبهم، وتحصنوا في السفن بسياج من البرونز، وراح «زوس» يحث الطرواديين ضدهم. فما لبث مينيلاوس - الرائع في صيحة الحرب - أن أهاب بأنتيلوخوس قائلا: «أي أنتيلوخوس، لا أحد من الآخيين يصغرك سنا، يبزك في سرعة القدمين، أو الشجاعة في القتال، فليتك تنقض فورا، وتصيب أي رجل من الطرواديين!»

وانصرف عقب هذه العبارات، ولكنه كان قد أثار الآخر، فسرعان ما وثب أنتيلوخوس من بين محاربي المقدمة، وبعد أن تلفت حوله بحذر، قذف رمحه البراق، فتراجع الطرواديون أمام هذا المحارب بمجرد أن رمى! ولم ينطلق رمحه عبثا، بل إنه أصاب ميلانيبوس الجريء القلب - ابن هيكيتاون - في صدره بجوار ثديه، وهو مقبل نحو المعركة. فسقط متخبطا وخيمت الظلمة على عينيه. وعندئذ وثب أنتيلوخوس فوقه، كما يثب الكلب على ظبي جريح أصابه الصياد بعد أن أحكم التصويب إليه وهو يقفز من جحره، فأرخى أطرافه، هكذا أيضا هجم عليك أنتيلوخوس، الجريء في القتال، يا ميلانيبوس، لينزع عنك حلتك الحربية، ولكن هكتور العظيم لمحه. فأقبل يجري ليلقي به وسط المعركة، فلم يصمد أنتيلوخوس في مكانه - رغم أنه محارب ماهر - وإنما هرب كوحش ارتكب شرا، كان قتل كلبا أو راعيا بجانب أبقاره، فهو ينشد الهرب قبل أن يتجمع الناس! بمثل هذه الصورة هرب ابن نسطور، فأمطره الطرواديون وهكتور في الحال وابلا من سهامهم المؤلمة، وهم يصيحون صياحا عجيبا، ولكنه استدار ووقف، عندما وصل إلى جيش زملائه.

صراع بين «هكتور» و«أياس»

بيد أن الطرواديين كانوا أشبه بالأسود النهمة، فهجموا على السفن، تنفيذا لأوامر «زوس» الذي ظل يبث فيهم القوة البالغة، والذي ألان قلوب الأرجوسيين، وسلبهم مجدهم، بينما كان يحرض الآخرين. فإن قلبه بيت النية على منح هكتور بن بريام المجد، حتى يتمكن من أن يرمي على السفن المدببة الأطراف نارا حامية لا يهن لها أوار. وبذلك يحقق صلاة «ثيتيس» المتهورة بأكملها. ومن ثم راح زوس المستشار ينتظر أن ترى عيناه وهج سفينة مشتعلة، إذ كان عليه - منذ تلك الآونة - أن ينظم انسحاب الطرواديين عن السفن وفرارهم، ليمنح الدانيين المجد. بهذه النية راح يثير هكتور بن بريام ضد السفن الجوفاء. وكان هكتور نفسه متلهفا، مفعما بالشوق إلى ذلك. وكان مهتاجا، مثل أريس الرماح، أو كما يحدث عندما تستشري النار المدمرة في أحراش غابة كثيفة وسط الجبال ، فتصاعد الزبد حول فمه، وقدحت عيناه بالشرر - تحت حاجبيه المخيفين - وتأرجحت خوذته بعنف حول صدغيه وهو يقاتل، لأن زوس كان يحميه وهو في السماء، وقد آثره بالشرف والمجد وهو يقاتل وحده ضد محاربين عديدين، إذ كان أجله قصيرا، وكانت الربة «أثينا» تتعجل منيته على يد ابن بيليوس.

وراح هكتور يعجم أعواد الرجال، ويحاول اقتحام صفوفهم حيثما رآها كثيفة زاخرة بأفضلهم تسلحا. بيد أنه لم يفلح قط في خرقها، رغم تحمسه البالغ، لأنهم صمدوا راسخين كما لو كانوا جدارا، أو كأنهم كانوا صخرة راسية، ضخمة، جد قريبة من البحر الرمادي، رابضة في مهب الرياح العاتية، والأمواج الصاخبة التي تندفع نحوها بقوة، هكذا قاوم الدانيون الطرواديين بثبات، دون أن يولوا الأدبار، ولكن هكتور قفز وسط الجمع متوهجا من كل جانب، وكأنه شعلة من النار، وهبط عليهم كما تهبط - تحت سحب العاصفة - موجة عاتية تطاردها الرياح، على سفينة خفيفة، فتختفي هذه بأسرها وسط الزبد، وتزمجر هبة الريح حول الشراع، فترتعد قلوب الملاحين هلعا، إذ لا يكادون ينأون عن الموت إلا بشق الأنفس، هكذا كانت قلوب الآخيين تضطرب داخل صدورهم، إذ هجم عليهم هكتور كأسد ضار ينقض على أبقار لا عداد لها، ترعى في أرض حمأة، منخفضة، وبينها راع لم يتدرب بعد على مقاتلة حيوان مفترس عقد عزمه على أن يفتك ببقرة ملتوية القرن، فترى الراعي يجد السير بجانب أكثر الأبقار تقدما - تارة - وبجانب أكثرها تأخرا - تارة أخرى - ولكن الليث يهجم في الوسط ويفتك ببقرة منها. وإذ ذاك تفر جميع الأبقار مذعورة، على هذا النحو استولى الخوف الرهيب على الآخيين جميعا، بفضل هكتور والأب زوس. وبالرغم من أن هكتور لم يقتل سوى رجل واحد، هو «بيريفيتيس» العزيز - القادم من موكيناي - ابن «كوبريوس» الذي اعتاد الملك «يورسثيوس»

5

ناپیژندل شوی مخ