هكذا قالت، فابتسمت هيرا الجليلة - ذات عيون المها - وبينما هي تبتسم، وضعت الزنار حول خصرها. وما لبثت أفروديت بنت زوس أن عادت إلى منزلها. أما هيرا فقد هرعت إلى أسفل وتركت قمة أوليمبوس، وانطلقت فوق بييريا وإيماثيا الجميلة، وأسرعت فوق جبال الفرسان التراقيين الجليدية، متنسمة أعلى قممها، دون أن تحتك قدماها بالأرض. ومن أثوس خطت فوق البحر المائج، حتى وصلت إلى ليمنوس، مدينة «ثواس» الشبيه بالآلهة، حيث قابلت النوم، شقيق الموت، وقبضت على يده بيدها، وخاطبته بقولها: «أيها النوم، يا سيد جميع الآلهة والبشر، إذا كنت قد استمعت يوما إلى كلامي، فأصغ إلي الآن مرة أخرى، وسأدين لك بالشكر طوال أيامي: أسبل لي عيني زوس البراقتين تحت حاجبيه، بمجرد أن يضمنا العشق في اضطجاع. وسأقدم لك في نظير ذلك هدية، عبارة عن عرش جميل لا يبلى، مصنوع من الذهب الخالص، يصوغه لك بمهارة ابني «هيفايستوس» - الرب القوي الساعدين - ويضع لك أسفله تكأة للقدم تستطيع أن تريح فوقها قدميك البراقتين وأنت تحتسي الصهباء!»
فرد عليها النوم اللذيذ بقوله: «أي هيرا، أيتها الربة الجليلة، ابنة كرونوس العظيم، إن بوسعي أن أسبغ النعاس على أي رب آخر من الآلهة الخالدين، ولو كان من جداول أوقيانوس ذاته وهو أبوهم جميعا. أما زوس بن كرونوس، فلن أجرؤ على الاقتراب منه، ولن أغمض لك عينيه لينام، إلا إذا طلب هو ذلك مني. إذ تعلمت من أمرك درسا فيما مضى، يوم أن أبحر ابن زوس، الجريء القلب، بعيدا عن طروادة، حين خرب مدينة الطرواديين. لقد خدرت يومئذ عقل زوس - حامل الترس - إذ سكبت حوله نفوذي العذب. وكنت تضمرين شرا في قلبك ضد ابنه، فأهجت الرياح القاسية فوق سطح اليم، ثم حملته بعيدا إلى كوس الآهلة بالسكان، بعيدا عن جميع أقربائه. فلما أفاق من النوم، غضب وشتت الآلهة هنا وهناك حول قصره، وراح يبحث عني قبل غيري، وكاد يلقيني من السماء إلى الفضاء السحيق، حتى أهلك، لولا أن الليل أنقذني، الليل الذي يطوي تحت حكمه كلا من الآلهة والبشر، فقد لذت به ضارعا، وإذ ذاك ارتد زوس - رغم غضبه - لأنه كان يخشى أن يقدم الليل السريع على شيء! وها أنت ذي تأمرينني بأن أحقق لك هذه المهمة الجديدة، التي لا أملك القيام بها!»
عندئذ تحدثت إليه من جديد هيرا الجليلة، ذات عيون المها، قائلة: «أيها النوم، لم تهجس في نفسك بهذه الأمور؟ أتعتقد أن زوس - الذي يذهب صوته إلى بعيد - سيساعد الطرواديين، مهما يكن في سورة غضبه من أجل هرقل، ولده؟ كلا. فهيا، وسأعطيك إحدى ربات الجمال الفاتنات لتتزوجها، وتدعوها زوجة لك، سأعطيك «باسيثيا»، التي طالما هفت إليها نفسك طوال أيامك!»
هكذا قالت، فاغتبط النوم، وأجابها قائلا: «تعالي الآن، فأقسمي لي بمياه نهر ستوكس المقدس، وأمسكي الأرض الفسيحة بإحدى يديك، وبالأخرى البحر المتألق، لكي يكون كلاهما شاهدا علينا نحن الاثنين، وكذلك الآلهة الموجودون في أسفل مع كرونوس، أقسمي بأنك ستعطينني حقا إحدى ربات الجمال الفاتنات، بل «باسيثيا» بالذات التي طالما اشتاقت إليها نفسي طوال أيامي!»
قال هذا، فلم تتردد الربة هيرا، البيضاء الساعدين، في سماع قوله، وأقسمت له كما طلب، وتوسلت بالاسم إلى جميع الآلهة أسفل تارتاروس، الذين يسمون «العمالقة».
وبعد أن حلفت وانتهت من قسمها، ترك كلاهما مدن ليمنوس وأمبروس، وتدثرا بالضباب، وذهبا بعيدا، مسرعين في طريقهما، حتى بلغا أيدا العديدة النافورات - أم المخلوقات المتوحشة - وليكتوم، حيث تركا البحر أولا، ثم سارا فوق الأرض اليابسة، فارتعدت ذؤابات الغابة تحت أقدامهما. وهناك وقف النوم، حتى لا تبصره عينا زوس، فتسلق شجرة صفصاف فارعة الطول، كانت أطول شجرة تنمو في أيدا حينذاك، وكانت تشمخ برأسها مخترقة الضباب حتى السماء. فجثم فوقها، واختفى تماما وسط أغصانها، في صورة طائر جبلي واضح الصوت، يسميه الآلهة «كالخيس»، ويسميه البشر «صقر الليل».
فاقتربت «هيرا» بسرعة من قمة جارجاروس - ذؤابة جبل أيدا الشاهق - فرآها زوس - جامع السحب - وما إن وقعت عليها عيناه - في زينتها تلك - حتى تملك الحب قلبه الحكيم، تماما كما حدث حين تضاجعا معا - لأول مرة - واستمتعا بالهوى، دون أن يعلم أبواهما العزيزان بالأمر! ووقف أمامها، وخاطبها بقوله: «يا هيرا، بأية رغبة جئت إلى هنا من أوليمبوس؟ إن جيادك ليست قريبة، ولا عربتك حيث تستطيعين الركوب!»
فأجابته هيرا الجليلة، في خبث ودهاء، قائلة: «إنني ذاهبة لزيارة حدود الأرض المثمرة، وأوقيانوس - جد الآلهة جميعا - والأم «ثيتيس»، اللذين ربياني بحنان ورعياني في ساحاتهما. إنني أبغي زيارتهما، لأضع حدا لخصامهما غير المنتهي. فقد مضى عليهما الآن زمن طويل وهما مفترقان - كل عن الآخر - بعيدان عن الحب وفراش الزوجية، منذ استقر الغضب في قلبيهما. أما جيادي فواقفة عند سفح أيدا الكثير النافورات، متأهبة لتحملني فوق كل من التربة الصلبة ومياه البحر. وقد جئت الآن إلى هنا، من أجلك، هابطة من أوليمبوس خشية أن تستشيط غضبا مني فيما بعد، إذا رحلت إلى منزل أوقيانوس العميق الجريان دون علمك!»
عندئذ تحدث إليها زوس، جامع السحب قائلا: «أي هيرا، يمكنك أن تذهبي إلى هناك فيما بعد، أما الآن فتعالي نستمتع معا في فراش الحب. فما تملكني يوما - نحو ربة أو امرأة - مثل هذا الحب الذي يتدفق على قلبي داخل صدري، ولا حين أحببت زوجة «أكسيون»، التي أنجبت «بابرثيوس» نظير الآلهة في المشورة، أو «داناي» ذات العقبين الجميلين، ابنة «أكريسيوس»، التي أنجبت «بيرسيوس»، المبرز بين جميع المحاربين، أو ابنة «فونيكس» الذائعة الصيت، التي أنجبت لي «مينوس» و«رادامانثوس» شبيه الإله، أو «سيميلي»، أو «الكميني» في طيبة، إذ أنجبت الكميني «هرقل» الجريء القلب، كما أنجبت «سيميلي» ديونيسوس، بهجة البشر، أو «ديميتير» الملكة الفاتنة ذات الجدائل الجميلة، أو «ليتو» المجيدة، بل ما تملكني الحب يوما نحوك أنت، كما يتملكني الآن، إذ تجتاحني الساعة رغبة عذبة نحوك!»
عندئذ تحدثت إليه هيرا الجليلة، في دهاء، فقالت: «يا أفظع ابن لكرونوس، ما هذا الذي تقول؟ كنت تتوق الآن لاضطجاعة الهوى فوق ذؤابات «أيدا» - حيث يكون كل شيء واضحا للأنظار - فماذا يكون الأمر لو أن أحد الآلهة الخالدين رآنا معا نائمين، فذهب وقص الأمر على جميع الآلهة؟ إنني لن أستطيع - إذ ذاك - أن أنهض من المضجع، ولا أن أذهب ثانية إلى منزلك؛ إذ تثور حول الأمر فضيحة. أما إذا كنت راغبا، وكان في ذلك مسرة لقلبك، فهناك غرفة صنعها لك ابنك العزيز هيفايستوس، وقد ثبت إلى قوائمها أبوابا قوية، فهيا بنا إلى هناك حيث نرقد، ما دمت راغبا في الاضطجاع إلى هذا الحد!»
ناپیژندل شوی مخ