هكذا قال، وفي الحال أصغوا إليه وأطاعوه ؛ ومن ثم انطلقوا، يقودهم «أجاممنون» ملك البشر.
ولم يكن مزلزل الأرض يقوم بالرقابة عبثا، فذهب معهم في صورة رجل كهل، وأمسك بيد أجاممنون بن أتريوس، وخاطبه بكلمات مجنحة فقال: «يا ابن أتريوس، الآن أعتقد حقا أن قلب أخيل الحقود يغتبط في صدره، وهو يرى مذبحة الآخيين وفرارهم؛ إذ إنه تجرد من الفهم، فلم يعد لديه ذرة منه. ليته يهلك، وينكل به أحد الآلهة! أما أنت فليست الآلهة المباركة بغاضبة منك بأي حال، كلا، كلا، ومع ذلك فإنني أعتقد أن قادة وحكام الطرواديين سيثيرون غبار السهل الفسيح، وستراهم بعيني رأسك وهم يفرون إلى المدينة من السفن والأكواخ.»
وما إن قال هذا حتى صرخ عاليا، وهو يسرع عبر السهل. وكان صياحه عاليا جدا، فكأنما هناك تسعة آلاف يصرخون في المعركة، وهم مقبلون على صراع محتدم. هكذا كانت قوة هائلة في صدر كل رجل من الآخيين، ليحاربوا ويقاتلوا بغير انقطاع.
إغواء زوس!
وكانت هيرا - ذات العرش الذهبي - واقفة إذ ذاك فوق قمة أوليمبوس فوقع بصرها عليه من هناك، وعرفته لتوها وهو ينطلق منهمكا هنا وهناك وسط القتال، حيث يحظى الرجال بالمجد، رأت أخاها، الذي هو صهرها في الوقت ذاته، فاغتبطت في قرارة نفسها. ولاحظت «زوس» جالسا فوق قمة جبل أيدا الكثير النافورات، وكان بغيضا إلى قلبها. وما لبثت «هيرا» الجليلة - ذات عيون المها - أن فكرت في طريقة تموه بها على عقل زوس حامل الترس، فبدت لعقلها هذه الخطة أفضل الخطط: أن تذهب إلى أيدا، بعد أن تتزين في أبهى زينة، لعله يشتهي أن يضطجع معها، ويحتضن جسمها في هيام، وعندئذ تستطيع هي أن تسكب على جفنيه وعقله الماكر نوما دافئا رقيقا!
وبالفعل، ذهبت إلى حجرتها التي صنعها لها ابنها العزيز «هيفايستوس»، وكان قد ثبت في القوائم أبوابا مكينة بمزلاج سري، حتى لا يتمكن من فتحها أي إله آخر. هناك دخلت، وأغلقت الأبواب اللامعة. وبدأت أولا بإزالة البقع من جسمها بدهان الآلهة، وتعطرت جيدا بزيت «أمبروسي» لطيب عبق الرائحة، ما إن ينثر في قصر «زوس» البرونزي الأديم، حتى يشيع عطره في الأرض والسماء. بهذا الزيت دهنت جسمها البض الجميل، وصففت شعرها، وجدلت بيديها غدائرها البراقة، الجميلة الأمبروسية، التي كانت تنساب من رأسها الخالد! وبعد ذلك ارتدت ثوبا معطرا كانت «أثينا» قد صنعته لها بمهارة فائقة، ونثرت فوقه الكثير من الوشي، وثبتته على صدرها بمشابك ذهبية، ثم أحاطت خاصرتها بحزام تزينه مائة من الأهداب، وحلت كلا من أذنيها المثقوبتين بقرط ذي ثلاث لآلئ مدلاة، براقة، تشع بجمال رائع. وسترت الربة نفسها بخمار يغطي كل شيء، خمار جميل يتلألأ ناصعا في ضياء الشمس. وثبتت في قدميها اللامعتين نعليها البديعين. وبعد أن تبرجت وزينت جسمها بكل صنوف الزينة، خرجت من حجرتها، واستدعت إليها «أفروديت» فتحدثت إليها - بعيدا عن الآلهة الآخرين - قائلة: «أي طفلتي العزيزة، أتراك تنفذين بغيتي، أو أنك سترفضينها، وفي قلبك موجدة؛ لأنني أساعد الدانيين، بينما تساعدين أنت الطرواديين؟»
وإذ ذاك ردت عليها أفروديت بنت زوس، قائلة: «أي هيرا، أيتها الربة الجليلة، ابنة كرونوس العظيم، أعربي عما في نفسك، فإن قلبي ليأمرني بتحقيقه إذا استطعت، وإذا كان مما يمكن تحقيقه!»
عندئذ تحدثت إليها هيرا الجليلة، بفكر أريب، فقالت: «أعطيني الآن الحب والشهوة، اللذين اعتدت أن تخضعي بهما سائر الخالدين والبشر؛ لأنني عازمة على زيارة حدود الأرض المثمرة، و«أوفيانوس» - جد الآلهة طرا - والأم «ثيتيس»، اللذين ربياني في حنان ورعياني في قصرهما عندما أخذاني من «ريا» - (الأرض) - وقت أن طرد زوس - الذي يجلجل صوته بعيدا - كرونوس، ليعيش تحت الأرض والبحر غير الثابت. إنني ذاهبة لأزورهما عسى أن أضع حدا لخصامهما اللانهائي، فها قد مضى زمن طويل، وكل منهما منعزل عن الآخر، بعيدا عن الهوى وفراش الزوجية، منذ استقر الغضب في قلبيهما. فلو استطعت بالكلام أن ألين قلبيهما وأعيدهما ثانية إلى الفراش ووحدة الغرام، فسأظل عزيزة لديهما دائما، وأكون جديرة بالاحترام.»
فردت عليها أفروديت المحبة للضحك، بقولها: «لا يجوز أن أرفض طلبك، كما أن هذا لا يليق؛ لأنك ترقدين في أحضان زوس الأعلى.»
قالت هذا، ونزعت عن صدرها الزنار المطرز، العجيب الصنع، الذي رسمت عليه صور جميع ألوان الإغراء؛ فكان عليه الحب، وعليه الشهوة وعليه الجماع، مما يسلب عقل أحكم الناس، ووضعت الزنار في يديها، وخاطبتها قائلة: «خذي الآن هذا الزنار العجيب الصنع، الذي صور عليه كل شيء، فضعيه حول خصرك، وإني لأؤكد لك أنك لن تعودي إلا وقد تحقق كل ما تشتهين في قلبك.»
ناپیژندل شوی مخ