الخلة الرابعة:
تجاوزهم في المجون وبذاءة التعبير إلى ما لا يستبيحه أدب المجالس، ويغض من قدر الشعر ومنزلة الشعراء، وهذا أيضا ليس من بدع المولدين بل سبقهم إليه شعراء الجاهلية والمخضرمون حتى أودعه امرؤ القيس معلقته، وفي أهاجي جرير والأخطل والفرزدق ما لا يعد مفخرة لأمثال أولئك الفطاحل، ولكن الجاهليين كانوا يأتونه عفوا على البداهة، فاستمسك به المخضرمون وأوغلوا فيه إيغالا أدى بالمولدين إلى التفنن به تفننهم في سائر ضروب الشعر، وفحشوا فيه فحشا فاضحا، ومن ذا الذي يقرأ أهاجي أبي تمام لمقران، والمتنبي لابن كيغلغ، ومجونيات الصفي الحلي، ولا ينكر أن تشان بدائع منظوماتهم بتلك السفاسف الهجينة، وأغرب من هذا أن كثيرا من تلك البذاءات ممتزح بدرر من المعاني تضيق عنها أرحب القرائح، فإذا قرأت قصيدة المتنبي التي يستهلها بقوله:
لهوى النفوس سيرة لا تعلم
عرضا نظرت وخلت أني أسلم
فإنك ترى فيها من غرر المعاني، وأبكار الأفكار ما جرى أكثره مجرى الأمثال، وتنوقل جيلا بعد جيل في أندية الأدب وحسبك منها قوله:
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله
وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم
والناس قد نبذوا الحفاظ فمطلق
ينسى الذي يولي وعاف يندم
لا يخدعنك من عدو دمعه
ناپیژندل شوی مخ