الاحتراس عن نار النبراس المجلد الأول
الاحتراس عن نار النبراس المجلد الأول
ژانرونه
سلمنا، لكن هذه الرواية جاءت من طريق هؤلاء الدعاة إلى مذهبهم لا سيما ابن عساكر والذهبي كما مر، سلمنا لكن لا يجوز أن عليا كرم الله وجهه في الجنة أراد أن النبي عليه وعلى آله الصلاة والسلام لم يعهد إليه في قتال أبي بكر على الخلافة، وهذا لا يستلزم انتفاء العهد إليه رأسا، فكيف ولو لم يكن من عهده إليه إلا قوله: ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى....)) الحديث لكفى في ذلك، فتبين بما ذكرناه أن حوالة المعترص على هذا الموضع وما قبله مما ذكرنا أنه يحتمل إيرادته له حوالة باطلة وأمنية عاطلة، ثم ذكر في هذا الموضع كلاما يحسن إيراده هنا مع التعرض لبعض ما فيه، فنقول: قال ما نصه: فدعوى أنه -أي عليا رضي الله عنه- خالف وما بايع أو بايع تقية أو كان عنده النص فلم يظهر تقية من أي طريق جاءكم أيها الأكياس دليلها فلا يخلو من أن تقولوا: طريقة النقل والكشف والعقل، ثم قال: ومن أعجب الأعاجيب التمسك على نفي الاجماع باشتهار خلاف، فخلف من الشيعة وأي مدخل لخلاف زائغ قلبه منبه هواه جاء بعد ألف من السنين يروي الأكاذيب عن هيان بن بيان في نقض اجماع الصحابة من رضي الله .... جميعهم، هذا مما لا يتفوه به عاقل أصلا إلا من زيع له بسوء علمه فرآه حسنا والذين طبع الله على قلوبهم فأصمهم وأعمى أبصارهم إلى آخر كلامه الناشئ عن عدم انصافه للمؤلف في قوله رحمه الله تعالى: قلنا: دعوى الاجماع باطلة لاشتهار خلاف أمير لمؤمنين من أهل بيته وشيعتهم سلفا بعقبهم خلف حتى إلى هذا كلامه قدس الله روحه، فأي عاقل يحمله على أنه أراد أن الخلاف من الخلف قادح في اجماع السلف، هذا ما لا يذهب عاقل إلا مخذول أضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه، وجعل على بصره غشاوة ... وفاقا كما قال تعالى: {كذلك نطبع على قلوب المعتدين} والحمد لله رب العالمين، ثم نقول:[184]أن قولك من أي طريق حاكم أيها الأكياس... إلخ، ابنانا عن كمال غفلتك ومجازفتك لأنه جاءهم دليلها من حيث جاء كم دليل المبايعة فإن كل من ورى مبايعة علي لأبي بكر رواية كاملة غير مختصرة يروى أنه كرم الله وجهه في الجنة قد كان تأخر عنها، ومعلوم أنه السابق إلى ما لا يصل إليه غيره مما يرفع شأن الإسلام ويقيم قواعده، فإن كان المعترض قد علم أنه ما يروي أحد مثلك فأين هو عما في صحيحي البخاري ومسلم من أنهم خاطبوه كرم الله وجهه في الجنة بقولهم: أتريد أن تشق عصا المسلمين، أو بالجملة فكل عارف منصف يعترف بأن عليا كرم الله وجهه في الجنة ما ترك له حاله فضلا عن إقامة ميزان المحجة في استحقاقه، ولذا صار كرم الله وجهه في الجنة يتألم مما وقع من إهمال حقه وعدم مشاورته، فهل الذي يديعه المؤلف شيئا غير هذا، وهل المسوغ للتقية يحتاج إلى أن يكون أمرا أكبر من هذا، فإن استدل المعترض وأمثاله على أنه كرم الله وجهه في الجنة سكت ولم يشهر السيف وسكوته لا يكون على باطل، بل على حق فللمؤلف أن يقول هذا على فرض تسليمه منقلب عليك؛ لأنه كرم الله وجهه في الجنة قالوا: أنه سكت يوم الدار وما شهر سيفه على الذين قتلوا عثمان، فالكثير منكم قالوا: أنه سكت يومئذ على باطل، وقال بعضكم: أن سكوته وعدم سله لسيفه؛ لأن الخطب أعظم ولم يبق له حيلة في الدفع وخشى من استئصال البقية من المسلمين فما لكم تحلونه عاما وتحرمونه عاما، ثم نقول: ما هذه القسمة التي جيئت بها يا أخا الأكراد في قولك: فلا يخلو من أن تقولوا: طريقة النقل أو الكشف إلخ، ومن ذا سبقك إلى ادخال الكشف في باب المناظرة لاثبات المطالب اليقينية والمدارك الشرعية أو الأحكام الفرعية والمؤلف يقول بلسان حاله: أما النقل فقد ثبت لنا ولكم، في أصح الكتب عندكم بعد كتاب الله تعالى وفيما أخرجه ابن سعد والحاكم والبيهقي إن صح كما مر.
وأما العقل: فنحن وإن لم نستدل به في إثبات هذا الأمر لكنه يمكنا ذلك بأن نقول: قد ثبت عندنا وعندكم أيضا أن عليا كرم الله وجهه في الجنة تأخر عن المبايعة ليالي وأياما، وثبت عندكم أيضا أنه رضي الله عنه إنما بايع حين شاهد وجوه الناس منصرفة عنه بعد موت فاطمة رضي الله عنها، فكيف يثبت في العقل مبايعته لأبي بكر عن اعتقاد استحقاقه الخلافة قبله، بل نقول: لو بايعه معتقدا لاستحقاقه الخلافة لكان مناديا على نفسه بالخطأ الفاحش في تأخره وطلب ما لا يستحقه حيث قال: كنا نرى أن لنا في هذا الأمر حقا، وهذا مما لا يجري من عاقل .... فضلا عن مثله، بل لو بايع أبا بكر جاريا باسحتقاقه الخلافة لكان قد شهد على جميع بني هاشم وعلى العترة المعصمومة بالخطأ المنافي لبعضهم ولكونهم لا يفارقون الكتاب العزيز، وعلى تسليم أنهم ليسوا بمعصومين فقد شهد عليهم وعلى نفسه رضي الله عنه وعنهم بالجهل، وعدم الانصاف ومفارقة الجماعة الذين جزموا من أول وهلة باستحقاق أبي بكر للخلافة إذ لا شك بأنهم حينئذ طائفة الحق؛ لأنهم هم الذين عرفوا الحق واتبعوه من أول الأمر [185] فهم السواد الأعظم اتفاقا لكن اللازم باطل والملزوم مثله.
نعم هذا الوجه مركب من العقل والنقل كما ترى.
مخ ۳۸۹