157

قال السيد أبو طالب: وأيضا فإن كلامه تعالى لا يخلو من أن يكون من جنس الكلام المعقول فيما بيننا وهو أن يتركب من جنس الأصوات والحروف أو مخالفا لذلك، فإن كان من جنس الأصوات والحروف فلا شبهة في حدوثه، وإن كان مخالفا لذلك لم يصح أن يكون كلاما وأن يفهم به شيء، والمثبت لكلام مخالف للكلام المعقول فيما بيننا وأنه في حكم من يثبت جسما مخالفا للأجسام المعقولة فيما بيننا ويثبت مع الله جسما قديما مخالفا لسائر الأجسام، ومن يزعم أن الكلام معنى في النفس وأن الحروف المسموعة دلالة عليه فهو في التجاهل بمنزلة من يزعم أن الصوت معنى في النفس وأن المسموع منه دلالة عليه وأن اللون معنى في النفس والمرئي منه دلالة عليه، وأيضا فإنه يلزم أن يكون هاذرا أو عابثا فيما لم يزل ومخاطبا للمعدوم فهو يقول فيما لم يزل يا موسى يا عيسى يا إبراهيم وغير ذلك مما احتوى عليه القرآن من التهديد والوعيد والقصص والمواعظ كل ذلك يحدث به نفسه ويهذوا به ولا ينفك عن التكلم به وقد علم أن مثل ذلك هذيان ولا يحسن في رجل موصوف برزانة العقل وجودة الوقار فكيف نجعل لازمه لملك الملوك وعلام الغيوب المنزه عن دقائق النقائص وصغائر العيوب تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، وأيضا فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يدين بذلك أي بأنه كلام الله تعالى ويخبر به وهو صلى الله عليه وآله وسلم لا يدين إلا بالحق ولا يخبر إلا بالصدق، فهذان أصلان نبه على كونهما مقطوعا بهما بقوله وذلك معلوم ضرورة عند كل من عرف النبي صلى الله عليه وآله وسلم (وروى آثاره وعرف أخباره) ولا فرق بين الأثر والخبر، فإنه صلى الله عليه وآله وسلم قد شهد له المعجز بالصدق وإصابة ما اعتقده بظهوره على يديه لأن ظهوره على من لم يكن كذلك قبيح والله تعالى لا يفعل القبيح لما تقدم بيانه.وإذا ثبت ذلك وجب علينا تصديقه فيما قال واتباعه فيما أدان به، ومعلوم بالضرورة أنه كان يرى ويعتقد أن القرآن الذي أتى به كلاما الله دون أن يكون كلاما له عليه السلام أو لغيره من المتكلمين ويخبر الناس بذلك واستمر على هذا إجماع المسلمين بعده صلى الله عليه وآله وسلم إلى أن حدث مذهب هذه الطوائف التي ضلت وأضلت فيكون الإجماع حجة عليهم ، ونقل ما ذكر عن النبي صلى الله عليه آله وسلم وإن كان بالآحاد فمعناه متواتر شبيه بأخبار سخاء حاتم وفصاحة امرؤ القيس وشجاعة عنترة فإن كل خبر منها وإن كان آحاديا إلا أن معناه قد صار متواترا فيفيد القطع إذ المعنى هو المقصود وقد جاء السمع بتأييد ما ذهبنا إليه أيضا قال (الله) تعالى{وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه}(التوبة:06) ولا شك أن الكلام المسموع هو القرآن والمعنى غير مسموع.

فإن قالوا:ذلك مجاز.

مخ ۱۸۸