وسبب اختلافهم حديثان متعارضان أحدهما حديث أبي أيوب الأنصاري صاحب رسول الله صاى الله عليه وسلم قال وهو بمصر: (والله لا أدري([14]) كيف أصنع بهذه الكرايس([15]) وقد قال رسول الله صاى الله عليه وسلم إذا ذهب أحدكم لغائط أو بول فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها بفرجه )، والثاني: حديث ابن عمر([16]) قال: ( دخلت على حفصة فرأيت رسول الله صاى الله عليه وسلم جالسا لحاجته في بيت حفصة بين لبنتين مستدبرا الكعبة مستقبلا لبيت المقدس ) فمن ذهب الجمع حمل حديث أبي أيوب الأنصاري على الصحارى، وحيث لا سترة([17]) وحمل حديث ابن عمر على السترة، وقد روي عن جابر بن زيد قال: سألت ابن عباس عن ذلك قال: إذا كان في الصحاري والقفار، وأما في البيوت فلا بأس لأنه حال بين الناس وبين القبلة حائل وهو الجدار، ومن ذهب مذهب الترجيح رجح حديث أبي أيوب الأنصاري لأنه إذا تعارض حديثان أحدهما فيه شرع والآخر موافق للأصل الذي هو عدم الحكم ولم يعلم المتقدم من المتأخر وجب أن يصار إلى الحديث المثبت للشرع لأنه قد وجب العمل بنقله من طريق العدول وتركه الذي ورد من طريق العدول يمكن أن يكون ذلك قبل شرع ذلك الحكم، ويمكن أن يكون ذلك بعد، فلم يجز أن يترك شرع وجب العمل به بظن لم يؤمن أن يوجب النسخ به إلا لو نقل أنه كان بعد لأنه لم يرفع الشك ما ثبت بالدليل الشرعي. وأما من ذهب مذهب الرجوع إلى الأصل وهو براءة الذمة عند التعارض يوجب أن الشك يسقط الحكم ويرفعه.
مخ ۸