ولكم تروعني هذه الذكريات وأنت قريب مني! غير أنني أشد شجاعة منك، ولعلني أتفوق عليك بالحزم؛ لأن آلامي كانت أشد من آلامك. لقد كانت حياتي ساكنة هادئة في هذه القرية قبل قدومك، وكنت وعدت نفسي بألا أبدل من حالها. وهذا ما يجعل هذه النفس شديدة الشكيمة علي، ولكن ما يهمني كل هذا، فأنا لك. أفما قلت لي في أويقات الصفاء: إن العناية قد عهدت إلي بالسهر عليك كما تسهر الأم على ابنها؟ فما أنا خليلة لك كل يوم، بل أنا أكثر الأيام أمك؛ لأنني أريد أن أكون أما لك. إنني لا أرى فيك العاشق عندما ترهقني بالتعذيب، بل ولدا مريضا يساوره الحذر، أو يستخفه الطرب، فأبذل جهدي لمداواته وشفائه، طامحة إلى استعادة الرجل الذي أحب، وأريد أن أحب إلى الأبد.
ورفعت عينيها إلى السماء قائلة: ليعززني الله بهذه القوة، وهو السميع المجيب لدعاء الأمهات والعاشقات، فأتمكن من إتمام هذا الواجب ولو هلكت في سبيله، حتى ولو أصبحت معرة نفسي المتمردة وقلبي المنكسر وكل حياتي ...
وشرقت بدمعها فاختنقت الكلمات في صدرها .
وإذا هي جاثية على الصخر وقد شبكت أنامل يديها وهزها الهواء كما يهز عاشقات الشجر حولنا.
يا لها من مخلوقة تجللها العظمة في ضعفها وهي تتوسل إلى الله من أجل حبها!
ورفعتها إلى صدري قائلا لها: أي صديقتي الوحيدة! يا خليلتي، ويا أمي، ويا أختي، توسلي إلى الله من أجلي أيضا؛ ليهبني قوة أحبك بها قدر استحقاقك. اطلبي لي الحياة ليغتسل قلبي بدموعك؛ فيصبح قربانا لا دنس فيه نقتسمه أمام الله.
واستلقينا على الصخر، وساد الصمت حولنا، ولمعت السماء فوق رءوسنا بكل كواكبها، فقلت لبريجيت: أفما تذكرك هذه الآفاق النيرة بأول استسلام؟
إنني أشكر الله لأننا لم نعد منذ ذلك الليل إلى تلك الصخرة، فبقيت هيكلا طاهرا تمر وحدها بمخيلتي مجللة بالبياض بين أشباح حياتي.
الفصل الرابع
ومررت ذات ليلة بساحة القرية فلمحت رجلين يتحادثان، وسمعت أحدهما يقول بصوت بلغ أذني: إنه يعاملها معاملة سيئة.
ناپیژندل شوی مخ