إن في قلبك جرحا يتمرد على الشفاء؛ فقد نالت المرأة التي خدعتك ما لم أنله أنا من حبك. وها إن حبي المسكين لا يقوى على محو صورتها من تذكارك، وإذا كان إخلاصي لك لا يجديك نفعا الآن، فما ذلك إلا لأن هذه المرأة قد ذهبت في خيانتها إلى أقصى ما تبلغ قسوة الخائنات. ومن يدري ما فعلت الأخريات من بنات الشقاء حتى نفثن السم في أزهار شبابك؟ إلى أية درجة بلغت الملاذ التي اتبعتها منهن حتى تطلب مني الآن أن أتشبه بهن؟ إنهن يراودن تذكارك وأنت بالقرب مني، وذلك أشد ما أقاسيه منك يا بني. إنني أفضل أن أراك مستبدا في ثورة غضبك، فترمي بوجهي ما يمكن لك أن تتصوره بي من سيئات وهمية منتقما لنفسك مما جنته عليك خليلتك الأولى، على أن أراك ذاهبا في مرضك القبيح، وعلى وجهك أمارات المتهتك المستهزئ منطبقة على سحنتك كأنها قناع يحول بين شفتيك وشفتي.
لم تحملني مثل هذا يا أوكتاف؟ ولم هذه الأيام التي تتناول فيها الحب بأحقر بيان، هازئا حتى بأعذب ما في استسلامنا من ملذات؟ ما فعلت بأعصابك الحساسة يا ترى هذه الحياة التي خضت عبابها حتى تركت على شفتيك هذه اللعنات تخفق بينهما حتى الآن؟ إنك تقذفها مرغما؛ لأن قلبك طيب كريم، ولأن حمرة الخجل تعلو جبينك مما تتفوه به، فأنت ولا شك متألم في حبك لي إذ تشاهد ما تحملني من عذاب.
إنني أعرفك الآن، ولكنني يوم رأيتك لأول مرة على مثل هذه الحال ملكني رعب يصعب علي وصفه؛ لأنني حسبتك مخادعا يتظاهر بحب لا يشعر به.
وحقك يا صديقي، لقد فكرت في اقتحام العدم في ذلك اليوم، ومرت علي ليلة هي أشد ليالي روعا ويأسا ...
أنت تجهل حياتي، ولا تعلم أن اختباراتي في الحياة لم تكن أقل مرارة من اختباراتك، ويلاه! إن الحياة مريرة لا يستعذبها إلا من يجهلها.
لست يا أوكتاف الرجل الأول الذي أحببت؛ فإن في قلبي حدثا مشئوما أريد أن تعرفه.
كان أبي قرر وأنا طفلة بعد أن يزوجني من ابن وحيد لأحد أصدقائه القدماء، وكان هذا الصديق صاحب أملاك مجاورة لأملاكنا، وكانت الأسرتان على اتصال دائم، ومات أبي. وكانت أمي قد ماتت قبله بزمن طويل، وهكذا بقيت تحت رحمة عمتي التي تعرفها، واضطرت عمتي إلى التغيب مدة، فأسلمتني إلى والد خطيبي الذي كان يدعوني دائما بيا ابنتي. وكان قد اشتهر في البلد أمر زواجي قريبا بابنه؛ فأصبح هذا يتمتع بأوسع حرية في معاشرتي.
وكان الشاب - ولا فائدة لك من معرفة اسمه - عشيرا لصباي، فانقلبت مودة الطفولة بيننا إلى محبة، وكان ينتهز فرصة انفرادنا ليذكرني بما سنلاقي من سعادة بعد الزواج، ويشكو تباريح الانتظار. وكان يكبرني بسنة، وله صديق من عشراء السوء ينقاد إليه، فقرر أن يخدع أباه وينكث بعهده بعد إيقاعي في فخاخه، وهكذا استغل جهلي وعبث بطفولتي .
ودعانا والده ذات صباح ليبلغنا أمام أفراد أسرته أن يوم زواجنا قد تعين، وما أسدل الليل ستاره حتى لقيني في الحديقة واندفع يشرح هواه قائلا: إنه يعد نفسه زوجا لي ما دام يوم العقد قد تعين، وإنه في الواقع زوجي أمام الله منذ كان طفلا، واستعان علي بثقتي وجهلي، فاستسلمت له قبل أن يعقد له علي، غير أنه هجر بيت أبيه بعد هذا الحادث بثمانية أيام هاربا مع امرأة كان صديقه قدمها له، وأرسل إلينا كتابا يقول فيه: إنه مسافر إلى ألمانيا، واختفى عنا منذ ذلك الحين.
هذه هي قصتي، وقد عرفها زوجي كما عرفتها أنت الآن. لقد عزت نفسي علي فعاهدتها في وحدتي ألا أعرضها مرة أخرى للشقاء. لقد نكثت بهذا العهد عندما رأيتك فنسيت عهدي، ولكنني ما نسيت أوجاعي. إن كلينا مريض يا أوكتاف، فليعالج أحدنا الآخر بلين وتؤدة. أفلا ترى أنني أنا أيضا أعرف ما هي ذكريات الماضي؟
ناپیژندل شوی مخ