99

ابراهیم ابو الانبیا

إبراهيم أبو الأنبياء

ژانرونه

في وادي النيل. ويرتبط تاريخ الخليل كما يلي بقيام هذه الدول، وانتقال هذه العشائر من أماكنها كلما قامت لإحداها دولة مستقرة في الحواضر والعواصم، وهجرة إبراهيم على اتصال وثيق بالزعازع التي تنشأ حتما من تبدل النظم، وتبدل العبادات والكهانات، وحلول الجديد منها محل القديم، مع المساومة والمصالحة بين النظام المقبل المعمول به والنظام المدبر المهجور.

ولكننا على كثرة الأحافير لا نجد بينها خبرا يعين لنا التاريخ في حادث من الحوادث تعيين الجزم واليقين، ولم يهتد المنقبون إلى تاريخ منها إلا على وجه التقريب، وبعد الموازنة والترجيح.

وعلة ذلك أن الدول الكبرى في تلك العهود لم تكن موحدة الحكومات، بل كانت منقسمة موزعة يتولاها في الوقت الواحد ثلاثة أمراء أو أربعة أو أكثر من ذلك؛ فإذا حاول المنقب أن يضع لهم ترتيبا متعاقبا لم يلبث أن ينكشف له من محفورات جديدة أنهم كانوا في عصر واحد، ومن الأمثلة الكثيرة على هذا: أن المنقبين كانوا يعينون سنة 1940 قبل الميلاد لحكم حمورابي، ثم انكشفت أحافير «ماري» للأستاذ أندريه باروت

André Parrot ، فقدموها قرنا كاملا إلى نحو سنة 1840؛ لأنهم وجدوا ملوكا معاصرين له وكانوا يحسبونهم سابقين له في موطنه.

وفي مصر كان المظنون أن ترتيب الأسر متعاقب، ثم ظهر من النقوش المتوافقة في الزمن أن الأسر الثانية عشرة والثالثة عشرة والرابعة عشرة حكمت في عصر واحد بين أقاليم الوجه البحري والصعيد، وأن الإصلاحات التي تمت في إقليم الشلال لم تكن من عمل الهكسوس المعاصرين، وأن من هؤلاء الهكسوس من كان يرسل الهدايا والإتاوات إلى ملوك الصعيد، ويقول المؤرخ بتري

: إن الصورة التي على معبد بني حسن هي صورة رئيس من الهكسوس، وإن الكلمة مركبة من هيك بمعنى أمير، ومن شو اسم القبيلة.

وإنه يضاهي اسم «خيان أو شر» المنقوش بين أسماء الملوك الشماليين على معبد تحتمس الثالث بالكرنك، واسم خيان هذا خليق أن يقف عنده القارئ؛ لأنه قريب من اسم ريان، الذي حسبه مؤرخو العرب الأقدمين بين أسماء ملوك الرعاة، ونتيجة هذا التداخل في أزمنة الأسر الحاكمة أن يلتبس الأمر على المؤرخ عند تعيين أوقات الحوادث، وتعيين اسم الأمير الذي تنسب إليه.

وقد مضى زمن على الهكسوس في الوجه البحري وهم رواد يطلبون المرعى والضيافة، ولا يجسرون على المنازعة في الملك، فإذا وجدت لهم آثار سابقة لعصر دولتهم، فلا يلزم من ذلك تعديل تاريخ الدولة؛ لأن دخول الهكسوس إلى مصر للمرعى والرحلة من مكان إلى مكان، غير دخولهم بجموعهم وجنودهم للسيطرة وإقامة الملك بأسمائهم، وكل ما يدل عليه السماح لهم بالدخول، وإهمال الحيطة في أمرهم أن فراعنة الصعيد كانوا يومئذ في شاغل بالنزاع عن الحيطة والتحصين.

ولا داعي كذلك لتخطئة المؤرخين الذين نقبوا في فلسطين فعينوا للهكسوس تاريخا غير تاريخ دولتهم بالديار المصرية، فإن زحف الهكسوس على جنوب فلسطين سابق بالبداهة لقيام دولتهم بالوجه البحري من أرض مصر، فالمنقبون في مدينة أريحا علموا من بقاياها أنها خربت بالزلازل وقذائف البراكين ثلاث مرات، وعلموا من أساليب البناء، ونقش الفخار، وأثر التحلل على المنسوجات في طبقات الأرض متى كان الموعد المقارب لكل كارثة من هذه الكوارث.

وفي الدور الثالث وجدوا مقابر للهكسوس، واستطاعوا أن يعينوا وقتا لوجودهم بأرض كنعان حوالي سنة 1750 قبل الميلاد، وعلموا أن أمير «أريحا» تواطأ مع الهكسوس على غزو مصر، وأن هؤلاء أقاموا معه موظفا يسمونه كاتب الوزير للرقابة على البيادر وخزائن الغلال ، وأن الفترة كانت فترة اضمحلال وهزال أصاب الدول في مصر والعراق ، وشجع الرعاة والقبائل الرحل على غزوها وتوطيد أقدامهم فيها، فكان هجوم الهكسوس على مصر معاصرا لهجوم قبائل البدو من عيلام وعمور على بابل، وكانت الأرض التي في طريق مصر موزعة بين العمالقة الحيثيين واليبوسيين والعموريين، وليس بينهم ذكر للعبرانيين.

ناپیژندل شوی مخ