95

ابراهیم ابو الانبیا

إبراهيم أبو الأنبياء

ژانرونه

وسبب ذلك أن الحجاز - كما هو معلوم - واد غير ذي زرع، فلم يكن فيه من السكان من يزحفون في حشد كبير لغزو البلاد الشمالية، وكان معظم الرحلة فيه للتجارة مع القوافل التي تذهب وتعود، ولا يبقى منها في الشمال إلا العدد القليل، ولكنه مع هذا كان طريقا غير منقطع من طرق التجارة القديمة؛ لأن سلوك القوافل بين اليمن والعقبة على طريق البر أيسر من سلوكها بحرا مع قلة السفن، واعتماد العرب في أسفارهم على الجمل الذي سموه بحق سفينة الصحراء.

وربما حدث مرات أن يوغل العرب الشماليون جنوبا كلما ضاقت بهم مساكنهم أمام المغيرين عليهم، أو حاقت بهم نكبة من الزلازل والصواعق. وهي كثيرة في تلك البقاع كما ظهر من آثارها الباقية إلى هذه الأيام.

ولهذا يعتقد المؤرخون أن اليمن هي مصدر العربية الأول، ويتلاقى هنا رأي المؤرخين المحدثين ورأي المؤرخين الأقدمين من أهل الحجاز؛ إذ كانوا يقولون: إن العرب العاربة هم أهل اليمن، ثم يليهم العرب المستعربون.

ولكن هذا الترتيب إذا صح من حيث النسب لا يصح من حيث الارتقاء باللغة العربية؛ فإن اللغة العربية الأولى في اليمن لم تبلغ من الصقل والفصاحة وانتظام القواعد ما بلغته لغة الحجاز، فهي نهاية الدورة بعد مطاف اللغة العربية من أقصى الجنوب في شبه الجزيرة إلى أقصى الشمال في العراق، إلى الرقعة الوسطى بين العراق والبحر الأبيض المتوسط، وهي لا تزال تنتفع وتتهذب في كل مرحلة من مراحل المطاف.

على أن البقايا التي تخلفت منذ عشرات القرون قبل الميلاد لا تدع مجالا للشك في وحدة اللغة بين الأقوام العربية في شبه الجزيرة العربية، وفي أرض الهلال الخصيب، ويقول ألبرايت

Albright

في كتابه عن أحافير فلسطين:

1

إن اللغات السامية المشهورة في القدم هي: الأكادية، الآشورية، البابلية، والسامية الشرقية، والسامية الغربية، وتنقسم هذه إلى العربية الشمالية والعربية الجنوبية؛ أي المعينية والسبئية والإثيوبية، ومعها لهجات شتى بعضها قديم وبعضها حديث. وكل تقسيم من هذه التقسيمات فإنما هو مسألة اصطلاح، والتفرقة فيه أقل جدا من التفرقة بين اللغات الهندية الجرمانية التي درسها الباحثون خلال القرن أو القرن والنصف الأخير؛ إذ إن اللغات السامية القديمة - عدا الأكادية - تتقارب في الأجرومية والنطق بحيث تشترك كل لهجة وما جاورها، ولا يلحظ الانتقال من لهجة إلا كما يلحظ مثل هذا الانتقال اليوم بين اللهجات الفرنسية والجرمانية ...

ولما بدأ عصر الآباء العبريين عند مطلع الألف الثانية قبل الميلاد، لم يكد الفرق بين اللغات يزيد على الفرق بين اللهجات العربية الأصيلة في هذه الأيام، ولم تكن الأكادية نفسها منفصلة عن سائر اللغات السامية الغربية أكثر من الانفصال بين المالطية والعراقية الحديثتين.

ناپیژندل شوی مخ